في واحدة من أكثر الاكتشافات الفلكية إثارة للدهشة في السنوات الأخيرة، أعلن فريق دولي من العلماء عن رصد كوكب عملاق يدور بعكس اتجاه حركة نجوم نظامه الثنائي، في تحدٍّ مباشر لنظريات نشأة الكواكب المتعارف عليها. 

الكوكب الجديد، الذي وُصف بأنه "غريب ومتمرد"، لا يتبع القواعد المألوفة، بل يبدو وكأنه تشكّل من بقايا نجم ميت، مما يفتح الباب على مصراعيه لتساؤلات جديدة حول فهمنا للكون.

نظام "نو أوكتانتس".. البيئة الفلكية غير المألوفة

الكوكب المكتشف يوجد في نظام نجمي ثنائي يُعرف باسم "نو أوكتانتس"، وهو نظام يضم نجمين يدوران حول بعضهما البعض كل 1050 يوماً. في هذا النظام الغريب، يدور الكوكب المكتشف في اتجاه معاكس تماماً لحركة النجمين، وهي ظاهرة تُعرف فلكياً باسم "الحركة التراجعية".

وما يجعل الاكتشاف أكثر إثارة هو أن هذا النوع من الحركة نادر جداً في الأنظمة النجمية الثنائية، وخاصة في الحالات المستقرة، حيث يتوقع أن تدور الكواكب عادةً في نفس اتجاه النجم الذي نشأت معه، نتيجة الزخم الزاوي المشترك للنظام.

من بقايا نجم إلى كوكب.. قصة نشأة فريدة

وفقًا للدراسة التي قادها البروفيسور مان هوي لي من جامعة هونغ كونغ بالتعاون مع الطالب هو وان تشنغ، ونُشرت في مجلة Nature العلمية، فإن الكوكب الغامض لم ينشأ مع النظام النجمي منذ البداية، بل يُرجح أنه تشكل لاحقًا بعد موت أحد النجمين.

النجم الثانوي في النظام، المعروف بـ"نو أوكتانتس B"، كان في الأصل أكبر من الشمس بـ2.4 مرة، لكنه فقد أكثر من 75% من كتلته نتيجة تحوله إلى قزم أبيض قبل نحو ملياري عام. ويعتقد العلماء أن هذا التحول الكبير أطلق كميات هائلة من المادة إلى الفضاء، والتي أعادت التكتل في قرص دوّار عكسي الاتجاه، أدّى لاحقًا إلى ولادة الكوكب الجديد في اتجاه معاكس.

كوكب من "الجيل الثاني"

ما يميز هذا الاكتشاف بشكل خاص هو أنه يمثل أول دليل موثوق على كوكب من "الجيل الثاني". وهي تسمية تطلق على الكواكب التي لا تتكون جنباً إلى جنب مع نجومها، وإنما تتشكل من بقايا نجم لفظ مادته بعد انتهاء دورة حياته.

ويرجح بعض الباحثين احتمالاً آخر، وهو أن الكوكب قد يكون قد أُسر من مدار خارجي، ودخل إلى النظام بحركته التراجعية، إلا أن الفرضية الأقوى حاليًا تشير إلى نشأته محليًا من المادة المطرودة بفعل النجم المحتضر.

إعادة صياغة فهمنا لنشأة الكواكب

يمثل هذا الاكتشاف ضربة جديدة للنماذج الفلكية التقليدية، التي تفترض أن الكواكب تتشكل داخل قرص دوّار بنفس اتجاه النجم المضيف. إذ أن وجود كوكب بحركة عكسية داخل نظام ثنائي مستقر يُشير إلى أن الكون أكثر تنوعًا وتعقيدًا مما كان يُعتقد.

كما يشير هذا الكشف إلى احتمال وجود عدد غير قليل من الكواكب "المتمردة"، التي لم يُكتشف أمرها بعد، والتي نشأت في ظروف فوضوية أو بعد موت نجومها، ما يدفع العلماء إلى إعادة النظر في أساليب رصد الكواكب الخارجية وتصنيفها.

تصريحات العلماء.. وتوقعات المستقبل

في تعليقه على الاكتشاف، قال الدكتور تريفون تريفونوف، أحد المشاركين في الدراسة:
"ربما نكون بالفعل أمام أول حالة موثوقة لكوكب من الجيل الثاني، إما أنه تم أسره من مدار خارجي، أو أنه تكوّن من المادة التي لفظها نجم محتضر. في الحالتين، نحن أمام ظاهرة فلكية استثنائية تتحدى النظريات الراسخة."

ويتوقع العلماء أن هذا الاكتشاف سيفتح الباب أمام دراسات جديدة لفهم طبيعة الأنظمة الثنائية، وقد يقود في المستقبل إلى إعادة رسم خريطة تكوّن الكواكب داخل مجرتنا.

الكواكب "المتمردة".. المستقبل الفلكي المجهول

هذا الكوكب المتمرد، الذي ولد من موت، يقودنا للتفكير بأن الكون لا يزال يخفي الكثير من المفاجآت. وفي ظل التطور المستمر لأدوات الرصد والتلسكوبات الفضائية، قد يكون المستقبل مليئاً بالاكتشافات التي تعيد تشكيل تصورنا عن كيفية تشكّل وتطور الكواكب.

فما بين النشأة والموت، يبدو أن بعض الكواكب تختار أن تُولد بطريقة مختلفة، وتتحدى قوانين الفلك كما نعرفها.