محمد الرخا - دبي - الأحد 26 مايو 2024 12:03 مساءً - يبدو أن قدر الشاعر نزار قباني هو أن يثير الجدل طوال الوقت، ويشعل حرائق التجديد والتمرد في نسق القصيدة العربية ومفهومها وتأثيرها رغم مرور كل هذه السنوات على رحيله في 1998.
خاض قباني في حياته العديد من المعارك الأدبية لأسباب عديدة، واليوم يتجدد الهجوم عليه بسبب طريقته السهلة البسيطة في صياغة القصيدة على نحو تبدو معها وكأنها نوع من " النثر" وليس "النظم" المتين مقارنة بالشعراء القدامى من نوعية المتنبي وعمرو بن كلثوم وغيرهما.
تأييد ومعارضة
وأعاد الهجوم الذي شنَّه الباحث التاريخي رضا العنزي قضية " الشعر الحديث" برمتها إلى الواجهة وهل الشكل الأفضل هو القصيدة الكلاسيكية العربية ذات الوزن والقافية أو نظيرتها الحداثية المتأثرة بالغرب والتي أسقطت الوزن والقافية من حساباتها وبدت قريبة من النثر المعتاد. وشهدت التعليقات المتفاعلة في هذا السياق انقسامًا واضحًا في الرأي بين مؤيد ومعارض.
أخبار ذات صلة
في ذكرى رحيله.. كيف جعل نزار قباني القصيدة خبزا للبسطاء والحالمين؟
ومن أبرز ما تعرَّض له نزار في حقبة الثمانينيات من هجوم قاس عنيف كتابان صدرا للكاتب والناقد اللبناني جهاد فاضل بعنوان "فتافيت شاعر" و"نزار قباني- الوجه الآخر" حيث يتهم الشاعر الذي ملأ الدنيا وشغل الناس بأن شعره "سادي، عدمي، تدميري، شعبوي، معبأ بأحقاد غير العرب على العرب، شعر له نسب واحد في تراثنا الشعري هو تراث (الشعبوية) التي تقوم على التقليل من شأن العرب لغة وتراثًا ومقومات، والاستهزاء بقيم العرب ومُثلهم".
واستشهد "فاضل" بقول نزار: أنت في بيتك محدود الإقامة / أنت في قومك مجهول النسب / يا صديقي رحم الله العرب".
وانبرت أصوات عديدة للدفاع عن نزار قباني، إذ أكد المدافعون أن الكاتب اللبناني اقتطع بعض الأبيات من سياقها ليحرّف المعنى ويثبت الاتهامات الباطلة.
الشاعر نزار قبانيأرشيفية
ويؤكد علي أحمد العرود في كتابه "جدلية نزار قباني في النقد العربي الحديث"، أن هجوم جهاد فاضل جاء لبواعث شخصية بحتة ردًّا على اتهام نزار له بأنه غيّر اسمه من "جوزيف" إلى "جهاد" لأن "عدة الشغل تستلزم هذا التغيير" على حد تعبير نزار بمجلة " الحوادث" 1987.
صدام مع جمال عبدالناصر ونجيب محفوظ
وقبل ذلك أثارت قصيدة نزار قباني "هوامش على دفتر النكسة" هجومًا واسعًا ضده في مصر حيث رأى فيها مثقفون استسلامًا لنكسة 1967 واستجابت الإذاعة المصرية لهذا الهجوم وأوقفت التعاون معه ومنعت بث الأغاني المأخوذة عن أشعاره. ويقول نزار في القصيدة: " إذا خسرنا الحرب فلا غرابة/ لأننا ندخلها بكل ما يملك الشرقي/ من مواهب الخطابة/ بالعنتريات التي ما قتلت ذبابة ".
وشعر نزار بالضيق الشديد وأن هناك من يتربص به ويشوّه مواقفه الوطنية العروبية ويزايد عليه، فأرسل خطابًا إلى الرئيس جمال عبد الناصر يتضمن نص القصيدة ويشرح موقفه، فما كان من ناصر إلا أن أمر بعودة التعامل معه وإنهاء الأزمة.
وأثارت قصيدة "المهرولون" التي كُتبت على إثر "اتفاقية أوسلو" للسلام معركة شهيرة بين نزار ونجيب محفوظ منتصف التسعينيات. وأعدت مجلة "روزاليوسف" المصرية فى عددها الصادر فى الـ16 من أكتوبر من عام 1995 ملفًّا احتوى على القصيدة ووصف نجيب محفوظ لها بأنها "قصيدة قوية جدًّا، وقنابل تفرقع فى عملية السلام، من دون أن تقدم بديلًا عنها".
ورد نزار قائلًا: "شكرًا لأستاذنا الروائى الكبير نجيب محفوظ الذى قرأ قصيدتى "المهرولون" فأعجبته شعريًّا ولم تعجبه أيديولوجيًّا وموقفًا، وإذا كان الخطاب الشعرى هزَّ أعماقه، فهذا دليل على أن حساسيته الشعرية لا تزال بخير.. وقلبه الكبير لا يزال يفرح بالتماع البروق، وسقوط الأمطار أما مواقفنا الأيديولوجية المتصادمة فى قضية السلام، فهى بسيطة وهامشية، ولا تفسد للود قضية".