محمد الرخا - دبي - الخميس 4 أبريل 2024 01:14 مساءً - ركّزت السياسة الخارجية للمغرب، خلال الأعوام الأخيرة، على تقوية الحضور في القارة الأفريقية، عبر مجموعة من المجالات الحيوية، ما جعل العلاقات بين المملكة وبلدان كثيرة في القارة السمراء جيّدة ومتواصلة، رغم تغير عدد من الأنظمة الحاكمة في "القارة السمراء"، ولاسيما في النيجر وبوركينا فاسو ومالي والغابون والسنغال.
ويحتفظ المغرب بعلاقات قوية مع هذه الدول وغيرها، سواء في الجانب الاقتصادي أو السياسي أو الديني والروحي.
وتأخذ العلاقات بين المملكة وباقي البلدان الأفريقية بُعدًا جديدًا في ظل المبادرات التي أطلقها الملك محمد السادس، خاصة "المبادرة الأطلسية" لتعزيز ولوج دول الساحل إلى المحيط الأطلسي.
وبلغة الأرقام، تستحوذ أفريقيا على 43% من الاستثمارات المغربية المباشرة في الخارج، بحسب أرقام مكتب الصرف المغربي (مؤسسة حكومية) لعام 2021.
وقال محللون إنه رغم توالي الانقلابات في عدد من الدول الأفريقية، وسقوط العائلات التي ظلت تهيمن على الحكم لعقود طويلة في الكثير من الجمهوريات الأفريقية، فإن العلاقات الثنائية بين المملكة وباقي الأنظمة الأفريقية الجديدة تشي بتطور غير مسبوق.
مواطنون أفارقة يصافحون العاهل المغربي خلال زيارة سابقة إلى القارة السمراءمتداولة
تراكم تاريخي
وقال مدير مركز الصحراء وأفريقيا للدراسات الإستراتيجية، عبد الفتاح الفاتحي، إن "العلاقات المغربية الأفريقية تتسق في سياق براغماتي يشدد على ضرورة استغلال الروابط التاريخية والحضارية التي كانت قائمة بين بلدان القارة السمراء والمملكة المغربية، لذلك تستمر العلاقات المغربية الأفريقية بشكل جيّد حتى في ظل تغيرات سياسية كبيرة".
وأضاف الفاتحي، في تصريح لـ"الخليج 365"، أن "مبادئ تجويد العلاقات السياسية المغربية الأفريقية تنهض على مرجعية تاريخية وحضارية في سياق مسؤولية المغرب تجاه مجاله الحيوي"، مشيرًا أن "علاقات المملكة مع النخب الأفريقية هي على قدر كبير من التوازن، لأنها تستهدف علاقات مؤسساتية وليست علاقات شخصية".
وتابع: "على أساس هذا التراكم، تعمل الدبلوماسية المغربية بخطوات هادئة على صنع مستقبل جديد لعلاقات تضامنية مع البلدان الأفريقية، تستثمر في إرساء علاقات مستدامة، فيها كثير من التآزر، وقليل من المصلحة النفعية المؤقتة".
وأكد الفاتحي أنه "وفق هذا النهج تمكنت الدبلوماسية المغربية من بناء علاقات مستقرة مع عدد من الدول الأفريقية"، مشددًا على أن "الدوافع المغربية في تنمية العلاقات مع الدول الأفريقية ليست مبنية على هواجس المصالح السياسية النفعية الضيقة".
ولفت إلى أن بلاده "اعتمدت بديلًا دبلوماسيًّا يراهن على تعزيز مصداقية العلاقات الثنائية عبر دعم استثمارات ترفع من مستوى عيش الإنسان الأفريقي، وتعزز أسباب الاستقرار".
وأردف: "الدبلوماسية المغربية تعاملت في كثير من المواقف برباطة الجأش، لكونها تنطلق من دافع المسؤولية تجاه فضائها الجيوسياسي، الذي يتطلب لعب دور فعّال لتجاوز تحديات الماضي نحو مستقبل أكثر نضجًا، وأصبح ذلك أسلوبًا إستراتيجيًّا بعد طرح الإستراتيجية الملكية للتعاون جنوب - جنوب القائمة على الندية والشراكة التضامنية".
أخبار ذات صلة
"الدبلوماسية الوقائية".. مقترح المغرب لمنع النزاعات في أفريقيا
رابح - رابح
ومن جهته، قال أستاذ العلاقات الدولية في جامعة محمد الخامس في الرباط، تاج الدين الحسيني، إن "هناك تطورًا ملحوظًا في آليات العمل الدبلوماسي والاقتصادي بين الدول وخاصة الأفريقية، بحيث مضى زمن المذاهب الأيديولوجية والتقوقعات المرتبطة باختيارات الشيوعية والاشتراكية وابتعادها عن الليبرالية والرأسمالية".
وأضاف الحسيني، في تصريح لـ"الخليج 365"، أن "المؤشر المركزي في العلاقات بين الدول أصبح يتمثل في مبادئ التعاون والمصلحة المشتركة، ومبدأ رابح – رابح، والعلاقات التي أقامها المغرب مع جل البلدان الأفريقية منذ مدة طويلة وحتى الآن قائمة على مبادئ التعايش السلمي وتحقيق المصلحة المشتركة، ومبدأ المعاملة بالمثل، وترسيخ السلام والاستقرار".
وأكد المتحدث أن "هذا النهج اتُبع بشكل أوسع منذ عام 2015 مع الزيارات المكثفة التي قام بها العاهل المغربي إلى العديد من البلدان الأفريقية، دون تمييز بين تلك التي هي ذات نهج اقتصادي ليبيرالي، وغيرها التي ربما كانت تتمتع بقيادة الحزب الواحد أو نظام عسكري".
وبيّن أستاذ العلاقات الدولية أن "المصلحة المشتركة أصبحت المعيار الدقيق في تطوير العلاقات المغربية مع باقي البلدان الأفريقية".
واستطرد بالقول: "الأنظمة الأفريقية الجديدة أصبحت واعية بضرورة المصلحة الوطنية للبلدان التي تمثلها، وبالتالي أصبحت تقيم علاقات أفضل مع مَن يقدم لها أفضل المزايا والعروض التي ستفضي إلى تعاون مثمر، وهذا ما حصل مع مالي وبوركينا فاسو وكذلك بالنسبة للنيجر والغابون".
وبحسب الحسيني، فإن هذه البلدان، ورغم أنها شهدت انقلابات، زادت علاقاتها توطدًا مع المغرب على حساب أنظمة أخرى كانت ترى في تلك الانقلابات مطية جديدة للركوب على الموجة وإقامة علاقات أفضل.
رئيس الحكومة المغربية عزيز أخنوش مصافحًا باسيرو ديوماي فاي خلال حفل تنصيبه رئيسًا للسنغالمتداولة
خصوصية السنغال
وقال الحسيني إن "العلاقات المغربية السنغالية، والتي توصف بالإستراتيجية، تتميز باستدامة تتحدى الزمن".
وأوضح أن "السنغال التي انتخبت قبل أيام رئيسها الخامس بشكل ديمقراطي، بعثت إشارات واضحة إلى الرباط لتقوية العلاقات التاريخية بين البلدين، من خلال دعوة الملك محمد السادس لحضور حفل تنصيب الرئيس السنغالي المنتخب، باسيرو ديوماي فاي".
ويعد الملك محمد السادس قائد الدولة الوحيد من خارج المنطقة، الذي تمت دعوته لحضور هذا الحفل، حيث مثله رئيس الحكومة المغربية عزيز أخنوش.
واعتبر المحلل السياسي أن "هذه الخطوة تعد دليلًا ملموسًا على الطبيعة الاستثنائية للعلاقات القائمة بين البلدين".
الدبلوماسية الدينية
ولا يمكن حصر علاقات المغرب القوية بالدول الأفريقية في الجانب السياسي والاقتصادي فقط، بل تعتبر الدبلوماسية الدينية واحدة من أوجه هذه العلاقة.
واعتبر الحسيني أن "المغرب يمارس نوعًا من الدبلوماسية الروحية والدينية مع البلدان الأفريقية، عمقت جذور التعاون فيما بينها".
ورأى الحسيني أن "الدبلوماسية الدينية التي هدفت إلى تكوين أئمة في هذه البلدان، تسهم اليوم في نشر الإسلام الوسطي، القائم على التسامح وخدمة المصالح الاجتماعية والاقتصادية".
وأوضح المحلل السياسي أن "جل هذه الأذرع السياسية والاقتصادية والدينية والروحية تشكل العناصر الأساسية وحجر الزاوية في استمرار العلاقات المغربية مع باقي البلدان الأفريقية، رغم تغير أنظمة سياسية حاكمة في القارة السمراء".
وشدد المتحدث على أن "البلدان الأفريقية تعتبر المغرب بمثابة الشريك المستحق للثقة وحسن التعامل والمردودية، وظهر هذا بشكل جلي من خلال المقترحات التي قدمتها المملكة داخل الاتحاد الأفريقي بشأن معضلة الهجرة، ومشاكل المناخ، وأيضًا ملف الطاقة النظيفة وغيرها