مع تطورات جديدة من «صداقة 2008» إلى «شراكة 2025».. مسار ممتد من التعاون بين مصر وإسبانيا، نقدم لكم كل ما تحتاجون إلى معرفته بشكل شامل ودقيق عن هذه التطورات ليوم الخميس 18 سبتمبر 2025 12:03 صباحاً
في مشهد يختصر تاريخًا طويلًا من العلاقات الثنائية، استقبل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وقرينته السيدة انتصار السيسي، اليوم الأربعاء 17 سبتمبر 2025، ملك إسبانيا فيليبي السادس والملكة ليتيزيا، في أول زيارة يقوم بها ملك إسباني إلى القاهرة.
بدت مراسم الاستقبال في قصر الاتحادية مهيبة، حيث اصطف حرس الشرف على وقع عزف السلامين الوطنيين لمصر وإسبانيا، فيما أطلقت المدفعية 21 طلقة ترحيبًا بالضيف الملكي، في تقليد دبلوماسي لا يُخصص إلا للشركاء المميزين.
الزيارة حملت أكثر من دلالة رمزية، فهي تأتي بعد أشهر قليلة من إعلان القاهرة ومدريد الارتقاء بالعلاقات إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية، خلال زيارة الرئيس السيسي إلى العاصمة الإسبانية مدريد في فبراير الماضي، كما تمثل خطوة جديدة في مسار طويل من التعاون والصداقة، يعكس إدراك الجانبين لأهمية تنسيق مواقفهما في ظل ما تشهده المنطقة والعالم من تحولات سياسية واقتصادية.
من الأندلس إلى الصداقة الحديثة
تعود جذور العلاقات بين مصر وإسبانيا إلى قرون مضت، حيث شكلت الأندلس جسرًا حضاريًا وثقافيًا ربط بين ضفتي المتوسط. غير أن الطابع المؤسسي لهذه العلاقات تكرّس بوضوح عام 2008 مع توقيع معاهدة الصداقة والتعاون خلال زيارة الملك خوان كارلوس والملكة صوفيا إلى القاهرة. المعاهدة مثلت نقطة تحول فارقة، إذ أرست إطارًا شاملًا للتعاون السياسي والاقتصادي والثقافي، وأكدت أن العلاقات ليست مجرد تبادل دبلوماسي بل خيار استراتيجي يعكس الإرادة السياسية لدى البلدين.
شراكة اقتصادية بأبعاد استراتيجية
لم تقتصر العلاقات المصرية الإسبانية على السياسة، بل امتدت إلى مجالات الاقتصاد والتنمية، حيث بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين نحو 3.1 مليار دولار عام 2024، في توازن شبه كامل بين الصادرات والواردات. وتُعد إسبانيا ثاني أكبر مستورد للمنتجات المصرية داخل الاتحاد الأوروبي، مما يعكس الوزن المتزايد للسوق المصرية بالنسبة للشركات الإسبانية.
وتتنوع مجالات التعاون لتشمل قطاعات الطاقة المتجددة، والسياحة، والبنية التحتية، والنقل. فقد أصبحت الشركات الإسبانية لاعبًا رئيسيًا في تطوير مشروعات السكك الحديدية والمترو في مصر، بدءًا من توريد القطارات الحديثة وحتى تحديث أنظمة الإشارات. هذا التعاون يعكس توجهًا متبادلًا نحو شراكة تنموية طويلة الأمد، تضع مصالح الشعبين في مقدمة الأولويات.
جسور ثقافية وحضارية
البعد الثقافي شكل ركيزة مميزة في العلاقات بين القاهرة ومدريد. ففي مصر تنشط 13 بعثة أثرية إسبانية تعمل في مواقع تاريخية كبرى مثل سقارة والأقصر وأسوان ووادي الجمال، ما يؤكد الاهتمام الإسباني بالتراث المصري ودوره في تعزيز التفاهم الحضاري. وفي المقابل، يبرز حضور معهدَي ثربانتيس في القاهرة والإسكندرية كجسر لنشر اللغة الإسبانية والتعريف بالثقافة الأوروبية اللاتينية في المجتمع المصري.
العلاقات الثقافية لم تتوقف عند هذا الحد، إذ توطدت عبر اتفاقيات توأمة بين المدن الكبرى، أبرزها توأمة القاهرة مع برشلونة منذ عام 1984، وتوأمة الإسكندرية مع مدينة أليكانتي منذ 1995، ما عزز الروابط الشعبية وأضفى طابعًا إنسانيًا يتجاوز حدود العلاقات الرسمية.
تنسيق سياسي في لحظة حرجة
الملف السياسي ظل حاضرًا بقوة في مباحثات الزعيمين. فقد تصدرت الأزمة في قطاع غزة أجندة اللقاء، خاصة بعد المواقف الإسبانية الأخيرة الداعمة للقضية الفلسطينية، والتي تجلت في اعتراف مدريد بدولة فلسطين وتصويتها لصالح "إعلان نيويورك" بشأن حل الدولتين في الجمعية العامة للأمم المتحدة.
الرئيس السيسي ثمن هذه المواقف، وأكد أن التنسيق مع إسبانيا يكتسب أهمية مضاعفة في ظل محاولات تهجير الفلسطينيين من أرضهم واستمرار الأزمة الإنسانية في غزة. من جانبه، شدد الملك فيليبي السادس خلال لقائه مع الجالية الإسبانية في القاهرة على أن الوضع في القطاع "لا يُحتمل"، داعيًا إلى وقف فوري لإطلاق النار وضمان دخول المساعدات الإنسانية بلا قيود.
زيارة في توقيت مصيري
أهمية الزيارة لا تنبع فقط من كونها الأولى من نوعها لملك إسباني، بل أيضًا من توقيتها الدقيق. المنطقة تشهد تصاعدًا في التوترات الإقليمية، من الأزمة الفلسطينية إلى تحديات الأمن في شرق المتوسط، فيما تسعى مصر لتعزيز دورها كركيزة للاستقرار الإقليمي. إدراك مدريد لهذا الدور بدا واضحًا في تصريحات الملك فيليبي السادس، الذي أكد أن الشراكة مع القاهرة ضرورية لضمان الأمن والسلام في محيط يشهد أزمات متلاحقة.
وهكذا جاءت الزيارة كتتويج لمسار طويل من التعاون، وترجمة للإرادة السياسية المشتركة في تحويل الشراكة الاستراتيجية من شعارات إلى مشروعات ومبادرات ملموسة، تمس حياة الشعبين وتخدم مصالحهما المشتركة.
للحصول على تفاصيل إضافية حول من «صداقة 2008» إلى «شراكة 2025».. مسار ممتد من التعاون بين مصر وإسبانيا - الخليج الان وغيره من الأخبار، تابعونا أولًا بأول.
أخبار متعلقة :