في صباح يوم حار من أيام نهاية أغسطس 2025، دخلت الطفلة هايدي، ذات العشر سنوات، إلى دكان الحي حيث كانت تتجول، وبيدها خمس جنيهات، ثمن كيس "شيبسي" بسيط، كانت تنوي شراءه بعفوية طفولية، لكن مواجهتها لرجل كبير في السن يبدو عليه التعب والحاجة، غيّرت مسار اللحظة؛ توقفت، وأعادت كيس الشيبسي لتسترد ثمنه،  ومنحت كل ما تملكه (خمسة جنيهات) إلى ذاك الرجل، بينما الكيس ظلّ معلقًا على رف البقالة، دون أن تلتفت إليه ثانية. 

صاحب المتجر، الذي شهد الموقف بصمت ممتزج بالإعجاب، تحرك خلفها ليعطيها كيسًا من "الشيبسي"  لكنها رفضت وهي تشكره قائلة: " بابا مش بيحرمني من حاجة" 

تكريم المجلس القومي للمرأة 

الفيديو الذي وثّقه كاميرا المراقبة انتشر سريعًا، وانهالت التعليقات على هايدي لتغمرها محبة المصرين بآلاف التعليقات، وتمتدح سلوكها الإنساني، وحسن التربية من جانب الأبوين. 

التفاعل لم يقتصر على رواد مواقع التواصل لكنه امتد ليشمل مؤسسات الدولة، ليستقبلها في صباح اليوم التالي، المجلس القومي للطفولة والأمومة في حفل تكريم خاص. استقبلتها الدكتورة سحر السنباطي، رئيسة المجلس ومنحتها درعًا تكريميًا، ولقبتها بـ "سفيرة المجلس للرحمة"، وهدايا رمزية تليق بتلك المبادرة الإنسانية البسيطة. وأعلنت أنها سترافق هيدي في أول يوم دراسي لها بالمدرسة، لتحتفل بها أمام زملائها، وليكون تكريمها درسًا حيًا في التربية الإيجابية

خلال اللقاء، عبّرت السنباطي عن فخرها الشديد بهذا التصرف المباشر العفوي، ووجهت تحية لعائلة الطفلة، قائلة إنهم غرسوا فيها "قيم البذل والعطاء والإيثار"؛ قيمٌ يمكن أن تُشكل الدرع الحقيقي للنشء في مواجهة تحديات المستقبل.

 وشددت على أن المجلس لا يكتفي بالمكرّمين فقط، بل يسعى لتعزيز روح المبادرة والرحمة في نفوس الأطفال، لأن بناء الإنسان الواعي مبنيّ على التربية السليمة، وأضافت أن العطاء لا يقتصر على الدعم المادي فقط، بل يشمل المساندة المعنوية، التي "تدخل السرور على القلوب وتخفف عن الآخرين" — مؤكدة أن الرحمة هي الأساس الذي يربطنا ويجعلنا نلتزم بواجباتنا تجاه بعضنا البعض.

أنا دايماً بحب أساعد الناس

وفي أول تصريح علني لها، قالت هايدي: "أنا دايماً بحب أساعد الناس، خاصة الكبار والمحتاجين، لما شفت الراجل حسيت إنه محتاج الخمسة جنيه أكثر مني"،  وأضافت الطفلة التي تحلم أن تصبح طبيبة في المستقبل: "أمي وأبي علموني إن أسعد حاجة في الدنيا لما نساعد غيرنا".

وقال والد هايدي، محمد أحمد نسيم، في تصريحات صحفية : "نحن أسرة بسيطة، وربينا أولادنا على حب المساعدة.. هايدي تعودت أن تخصص جزء من مصروفها لشراء طعام للقطط والكلاب الضالة، مؤكدا أن تصرف ابنته "لم يكن مفاجئاً".

وأكد الجيران في منطقة الأسمرات أكدوا أن هايدي "معروفة بقلبها الطيب"، حيث ذكر أحدهم: "كانت دائماً تساعد كبار السن في حمل الحقائب، وتشارك الأطفال ألعابها دون تردد". آخرون أشاروا إلى أنها "تخصص وقتاً لرعاية الحيوانات الضالة في الحي".

كل شيء بدأ بلقطة بسيطة، لكنها حملت رسالة: العطاء لا يحتاج إلى خطابات أوشعارات، بل ينبع من القلب فوصل إلة القلب. 

.