في السنوات الأخيرة، كثفت الدولة المصرية جهودها لتحقيق الأمن الغذائي وتقليل الاعتماد على الاستيراد في السلع الاستراتيجية، وعلى رأسها السكر، ومع عودة قوية لزراعة قصب وبنجر السكر، وتوسعات كبيرة في المصانع والطاقة الإنتاجية، يبدو أن مصر باتت على أعتاب تحقيق الاكتفاء الذاتي الكامل من السكر لأول مرة منذ سنوات طويلة.

وعقد وزير التموين والتجارة الداخلية الدكتور شريف فاروق، ووزير الموارد المائية والري الدكتور هاني سويلم، اجتماع مشترك بمقر وزارة الري بالعاصمة الإدارية، بحضور قيادات الوزارتين، لبحث سبل تطوير مصانع إنتاج السكر من قصب السكر، ووضع آليات تنسيق لحماية الموارد المائية من التلوث الناتج عن هذه المصانع.

وأكد الدكتور شريف فاروق خلال الاجتماع على أهمية استمرار التنسيق بين الوزارتين بما يخدم الاقتصاد الوطني، ويحافظ على الموارد الطبيعية، خاصة الموارد المائية، من أي هدر أو تلوث.

وشهد الاجتماع استعراض الإجراءات الجارية والخطط المستقبلية للتعامل مع المخلفات الصناعية لمصانع إنتاج السكر، ومناقشة أفضل الحلول الفنية التي تتماشى مع الشروط البيئية المعتمدة.

وأكد الوزيران على ضرورة تطوير المصانع لتوفيق أوضاعها البيئية، وتنفيذ خطط الإصحاح البيئي لمصانع السكر التسعة (إدفو – كوم أمبو – أرمنت – قوص – نجع حمادي – دشنا – أبو قرقاص – جرجا – الحوامدية)، بما يضمن توافق مياه الصرف الصناعي مع المعايير البيئية.

وجه الوزيران بسرعة إعداد خطة قصيرة المدى وأخرى طويلة المدى لتطوير المصانع، بالتعاون مع أحد المكاتب الاستشارية المتخصصة، ومع شركاء التنمية إذا لزم الأمر.

زراعة تتوسع.. وإنتاج يرتفع

وجدير بالذكر، أنه شهد موسم 2024-2025 زيادة ملحوظة في المساحات المزروعة بمحصولي القصب والبنجر، حيث ارتفعت مساحة بنجر السكر إلى نحو 750 ألف فدان مقارنة بـ600 ألف فدان في الموسم السابق، أي بزيادة تقترب من 25%. كما تم إضافة مساحات جديدة لزراعة القصب، في محافظات مثل قنا والأقصر وأسوان، لتعزيز الإنتاج المحلي.

هذه الطفرة الزراعية انعكست على الإنتاج، حيث بلغ إنتاج بنجر السكر هذا العام نحو 2.5 مليون طن، بينما أضاف قصب السكر نحو 600 ألف طن، ليصل إجمالي الإنتاج المحلي إلى حوالي 3.1 مليون طن من السكر، مقارنة بـ2.6 مليون طن في الموسم الماضي.

تراجع حاد في الاستيراد

بفضل هذه الزيادة الإنتاجية، انخفضت واردات مصر من السكر الخام بنسبة تجاوزت 54% خلال الربع الأول من عام 2025، لتصل إلى 111 مليون دولار فقط، مقارنة بـ244 مليون دولار خلال نفس الفترة من العام الماضي. ووفقًا لمجلس الوزراء، فقد بلغت نسبة الاكتفاء الذاتي من السكر نحو 81% بحلول مارس 2025، مع توقعات قوية بالتوقف التام عن الاستيراد بدءًا من عام 2026.

مصانع حديثة وطاقة إنتاجية متنامية

شهد القطاع الصناعي أيضًا تطورًا ملحوظًا، حيث توسعت الطاقة الإنتاجية لعدة مصانع، منها مصنع “القناة للسكر” بطاقة إنتاجية وصلت إلى 350 ألف طن سنويًا، قابلة للزيادة إلى 750 ألف طن، بالإضافة إلى تطوير مصنع الشرقية، ومصنع شركة الدلتا الذي ارتفعت طاقته اليومية من 14 إلى 21 ألف طن بنجر.

 كما تم إنشاء محطات لإنتاج شتلات القصب بأعداد ضخمة تصل إلى 160 مليون شتلة في "وادي الصعايدة" و30 مليون شتلة في "كوم أمبو".

تحركات مكثفة في يوليو 2025

لم يكن شهر يوليو هادئًا في ملف السكر، بل شهد تحركات رفيعة المستوى على مستوى الحكومة، حيث عقد رئيس الوزراء مصطفى مدبولي اجتماعًا موسعًا لمتابعة جهود تطوير صناعة السكر في مصر، بحضور وزيري التموين والري، وتم خلاله بحث:

تحديث 9 مصانع قصب بالصعيد والدلتا بمعايير بيئية متطورة.

التوسع في نظم تدوير المياه وتطوير محطات المعالجة للحفاظ على نهر النيل.

دمج الزراعة التعاقدية في خطط الدولة لتشجيع المزارعين.

بحث التوسع في زراعة السكر داخل مشروع "مستقبل مصر الزراعي" والدلتا الجديدة.

نحو اكتفاء ذاتي كامل

مع الخطط المستمرة لزيادة المساحة المزروعة، ورفع كفاءة الري، وتوسيع قدرات المصانع، تتوقع الحكومة أن تحقق مصر الاكتفاء الذاتي الكامل من السكر بحلول عام 2026، هذا الإنجاز يمثل خطوة استراتيجية في تعزيز الأمن الغذائي وتخفيف الضغط على العملة الصعبة وتقوية الاقتصاد الوطني.