محمد الرخا - دبي - الأربعاء 15 مايو 2024 05:25 مساءً - حين تم تشخيص إصابة "رائد المسرح السياسي" في العالم العربي سعد الله ونوس بسرطان البلعوم في عام 1992، لم يمنحه أكثر الأطباء تفاؤلًا، أكثرَ من ستة أشهر بحد أقصى ثم تنتهي حياته نظرًا لخطورة وشراسة المرحلة التي اكتشف عندها المرض.
المدهش أن الكاتب الحالم، شديد الموهبة والحساسية الذي جعل من المسرح أداة لإيقاظ الوعي وتحفيز القدرة على السؤال، استطاع أن يهزم الضيف الخبيث ويعيش خمس سنوات كاملة ليرحل عن عالمنا في مثل هذا اليوم الـ15 من مايو من عام 1997.
وكانت الكتابة أداته للمقاومة ووسيلته الأكثر فاعلية من العلاج الإشعاعي أو الكيماوي، تلك حقيقة فعلية وليست قولًا مرسلًا على سبيل المجاز. بدا الكاتب الكبير المتمرس أنه يسابق الموت، يلهث وراء ومضة الإبداع في ظلمة العقاقير والوجع ليغافل اللحظة المحتومة أو على الأقل يؤجل موعدها قدر المستطاع، حتى أنه كتب ثلاث مسرحيات مهمة ومتقنة في عام واحد.
أخبار ذات صلة
في ذكرى رحيله.. من هو مالك بن جلول الذي انتحر بعد نيل الأوسكار؟
وتحولت سنوات المرض إلى أكثر مراحل حياته غزارة وخصوبة في الإنتاج، إذ خلّف وراءه في أربع سنوات سبعة أعمال من عيون المسرح العربي هي "منمنات تاريخية" عام 1994، و"أحلام شقية" عام 1995، و"يوم من زماننا" عام 1995، و"ملحمة السراب" عام 1996، و"بلاد أضيق من الحب" عام 1996، و"رحلة في مجاهل موت عابر" عام 1996. أما مسرحيته الأخيرة فحملت عنوان "الأيام المخمورة " وصدرت عام 1997.
وفي عام 1996 كلفه المعهد الدولي للمسرح، التابع لليونسكو، بكتابة "رسالة" بمناسبة "اليوم العالمي للمسرح" . تُرجمت الرسالة إلى لغات عدة وقرِئت في أهم مسارح العالم وجاء فيها: "منذ أربعة أعوام وأنا أقاوم السرطان. وكانت الكتابة أهم وسائل مقاومتي."
وانعكس إيمانه بالثقافة عمومًا في تلك الرسالة حين قال: "الثقافة هى الجبهة الرئيسة اليوم لمواجهة العولمة الأنانية والخالية من أي بعد إنساني، فهي وحدها من يمكنها أن تجعل الإنسان أكثر وعيًا وحرية وجمالًا". وختم الرسالة بجملة شهيرة صارت مضرب الأمثال "إننا محكومون بالأمل، وما يحدث ليس نهاية التاريخ".
سعد الله ونوس أرشيفية
وولد سعد الله ونوس عام 1941 بقرية "حصين البحر" في الشمال الغربي لسوريا قريبًا من مدينة "طرطوس". والتحق بجامعة القاهرة وهو في التاسعة عشرة من عمره، وحصل فيها على "ليسانس الآداب"، قسم صحافة، ثم انطلق إلى باريس مباشرة، حيث نال "دبلوم الدراسات المسرحية" من جامعة السوربون.
ووقعت نكسة الـ 5 من يونيو 1967 وهو في فرنسا، فانفعل للغاية وتأثر بشدة كما حدث لنخبة المثقفين العرب من المحيط إلى الخليج وكتب على تلك الخلفية التاريخية والنفسية مسرحيته الشهيرة "حفلة سمر من أجل الخامس من حزيران".
وتأسس المشروع المسرحي لونوس على نقد الواقع السياسي العربي وملاحقة أحداثه الكبرى البارزة في النصف الثاني من القرن العشرين، لكن نقده السياسي لم يقع في فخ المباشرة والتقريرية. وانفتحت أعمال لاحقة له على قضايا إنسانية واجتماعية رحبة بعيدًا عن هيمنة السياسة. من أبرز أعماله الأخرى "مغامرة رأس المملوك جابر" و"الملك هو الملك" و"رحلة حنظلة من الغفلة إلى اليقظة".