محمد الرخا - دبي - الأحد 14 أبريل 2024 02:13 مساءً - حتى قبل اندلاع الحرب الأخيرة، كانت غزة تعاني من ارتفاع كبير في أمراض الصحة العقلية والنفسية، ما وضعها ضمن أعلى معدلات الإصابة بهذه الأمراض على مستوى العالم، ويُعزى ذلك جزئيًا إلى ويلات الحروب والحصار منذ 17 عامًا، بحسب صحيفة "الغارديان" البريطانية.
وأشارت الصحيفة إلى دراسة نشرتها منظمة إنقاذ الطفولة عام 2022، أفادت بأن أربعة من كل خمسة أطفال في غزة يعيشون مع الاكتئاب والحزن والخوف، فضلا عن إيذاء أنفسهم.
وأوضحت: "منذ هجوم 7 أكتوبر، كان هناك تدهور كبير في الصحة العقلية للأطفال في غزة؛ نتيجة للحرب المستمرة والصدمات المرتبطة بها، إذ يعرب بعض الآباء عن قلقهم الكبير؛ بسبب كم الفظائع التي يشاهدها الأطفال، بما في ذلك القنابل والتفجيرات وجثث القتلى والجرحى، لدرجة أن الطفل في غزة بات قادرًا على تحديد أنواع المتفجرات التي تسقط على القطاع".
ووفقًا للدكتورة سماح جابر، رئيسة وحدة الصحة النفسية في وزارة الصحة الفلسطينية، فإنّ الإطار السريري التقليدي للتعامل مع الصدمات يعجز عن فهم تعقيدات التجربة الفلسطينية بشكل كامل.
وأوضحت جابر أن المقارنة بين التصورات الغربية للصدمة، مثل حوادث السيارات، والفظائع المستمرة في غزة، تتحدى إمكانية تطبيق مصطلح اضطراب ما بعد الصدمة على الواقع الفلسطيني، الذي لا تقتصر فيه الصدمة على حوادث معزولة، بل هي منتشرة ومستمرة، وتشكل تجربة جماعية، ففي فلسطين، يظل التهديد حاضرًا دائمًا، ما يجعل أعراض مثل اليقظة المفرطة ضرورية للبقاء على قيد الحياة.
في الأثناء، ألقت الصحيفة الضوء على خلفية وخبرة الدكتورة "جابر" التي لديها تجربة مباشرة في العيش تحت الاحتلال الإسرائيلي في القدس الشرقية. ورغم التحديات التي واجهتها خلال الانتفاضة الثانية، أثارت التجارب التي تعرضت لها اهتمامها بالطب النفسي والعلاج النفسي التحليلي. واليوم، تتولى دورًا محوريًا في الإشراف على توفير الصحة النفسية للفلسطينيين في جميع أنحاء القدس الشرقية والضفة الغربية وقطاع غزة.
تتحدث الدكتورة "جابر" للصحيفة عن تجربتها في معالجة بعض الشبان الفلسطينيين الذين كانوا يعانون من الصداع، وخفقان القلب، وآلام الظهر، وهي أعراض لم يتمكن الأطباء من معرفة التفسير الطبي لها بالنسبة لحالاتهم، ولكنها فهمت أنها كانت مرتبطة بعوامل نفسية، لا سيما بعد فقدان الكثير منهم لوظائفهم إثر سياسات الإغلاق والحصار التي تفرضها إسرائيل على الفلسطينيين.
تستمد "جابر" إلهامها من الأعمال المؤثرة لـ"فرانتز فانون"، وهو طبيب نفسي وفيلسوف سياسي مشهور بنشاطه المناهض للاستعمار، فيما أسهمت رؤية "فانون" حول الآثار النفسية للاستعمار والقمع في إثراء نهجها بفهم نفسية الشعوب المضطهدة والمحتلة، ومعالجة قضايا الصحة النفسية في بيئات النزاع والاحتلال.
وتشير إلى أن تعافي مرضاها الحقيقي مرهون بتغير الواقع السياسي، وتوقف سياسات العنصرية والإذلال عند نقاط التفتيش، ومداهمات الجيش الإسرائيلي، وهدم المنازل والاعتقال الإداري.
في موازاة ذلك، تشكل الموارد والبنية التحتية المحدودة تحديات كبيرة أمام توفير خدمات الصحة النفسية في فلسطين، مع النقص الحاد في الأطباء النفسيين المدربين وعدم كفاية مرافق الصحة العقلية، فيما أدت الحرب الأخيرة في غزة إلى تفاقم الوضع وزيادة الضغط على منظومة الصحة النفسية المثقلة بالفعل.
في الختام، تؤكد الدكتورة "جابر" أهمية العدالة والتضامن كعلاجات حاسمة للضرر العميق الذي سببته الحرب المستمرة، إضافة إلى استعادة كرامة أولئك الذين تم تجريدهم من إنسانيتهم بسبب فظائع الحرب. ومع ذلك، فهي تعترف بأن علماء النفس وحدهم لا يستطيعون إنجاز هذه المهمة الضخمة، ما يحتم أن تكون هناك استجابات شاملة على المستويين المحلي والدولي.