محمد الرخا - دبي - الجمعة 13 أكتوبر 2023 03:01 مساءً - أعربت مصادر إسرائيلية عن مخاوفها العميقة من أن تتسبب الحرب الدائرة بين الجيش الإسرائيلي ولفصائل الفلسطينية في قطاع غزة، في أعقاب عملية "طوفان الأقصى"، في انحياز موسكو إلى حركة حماس، في ظل الصراع الجيوسياسي بينها وبين واشنطن.

وقالت صحيفة "ماكور ريشون" العبرية في تقرير نشرته اليوم الجمعة، إن المئات من عناصر الفصائل الفلسطينية، يوم السبت الماضي، نجحوا في اجتياز السياج الأمني ووصلوا إلى عديد من مستوطنات غلاف غزة، قبل عودة الكثير منهم بعشرات الرهائن الإسرائيليين، ضمن هجوم مباغت، تقول إسرائيل إنها لم تشهد مثله منذُ حرب تشرين الأول/ أكتوبر 1973.

الصحيفة العبرية عقدت مقاربة بين الموقف، الذي أبدته واشنطن إبان ما تعرف بحرب "يوم الغفران"، وبين المفاجأة التي مُني بها الجيش الإسرائيلي قبل أيام، مذكرة بأنه بينما هرعت واشنطن لنجدة الجيش الإسرائيلي، فقد هددت موسكو بالانخراط في الحرب في ذلك الحين.

هل يعيد اجتياح إسرائيل لغزة توازن القوى بالمنطقة؟

وقدَّرت أن الحرب الدائرة حاليًا بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس عقب اقتحام مستوطنات الغلاف "إنما تعيد إلى الأذهان قضية الصراع بين القوتين العظميين حول الشرق الأوسط".

وذهبت إلى أن ثمة مخاوف من تكرار تراجع الموقف الأمريكي الضاغط على إسرائيل لقبول وقف إطلاق النار، بعد 50 عامًا من موقف مماثل، حين تسببت ضغوط الاتحاد السوفيتي والتلويح بالانخراط في الحرب في تراجع الموقف الأمريكي.

ونوهت إلى أن الشارع الإسرائيلي استشعر منذ بدء الحرب الحالية موقفًا أمريكيًا داعمًا بشدة؛ إذ وجه الرئيس جو بايدن رسائل قاطعة إلى من يريدون فتح جبهة جديدة، وأعلن إرسال حاملة الطائرات الأكثر تطورًا في أسطول البحرية الأمريكية "غيرالد فورد" والقوة الضاربة المصاحبة لها إلى إسرائيل.

وعلى الصعيد الدبلوماسي، أرسلت واشنطن رسالة واضحة إلى لبنان وإلى ميليشيات حزب الله، مفادها بأن انضمام الأخيرة للحرب سيعني أن "إسرائيل ستسحق لبنان".

قلق إسرائيلي إزاء الموقف الروسي

وأشارت الصحيفة إلى أن موقف موسكو من تلك التطورات لم يكن مفاجئًا، فقد صدرت تصريحات عن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مفادها أن "الحرب بين إسرائيل وحماس مثال على فشل سياسات واشنطن في الشرق الأوسط".

ورأت أن الرئيس الروسي لا يدخر وسعًا لإدانة قتل المدنيين من الجانبين، لكنه لم يخفِ وجهة نظره في الهجمات الإسرائيلية، ناقلة عن الرئيس بوتين قوله: "يجب تقليص الأضرار التي تلحق بالسكان المدنيين إلى الحد الأدنى وخفضها إلى مستوى صفر، إننا ندعو جميع الأطراف إلى القيام بذلك".

الأنقاض في غزة بعد الغارات الإسرائيليةرويترز

ودققت الصحيفة في موقف بوتين إزاء عملية "طوفان الأقصى"، التي شنتها حماس، وتسببت من النواحي العملية في الحرب الدائرة حاليًا وبدء عملية "السيوف الحديدية" من جانب الجيش الإسرائيلي، ووجدت أنه حرص على ربط هذا التطور بتجاهل المصالح الأساسية للشعب الفلسطيني، وعلى رأسها إقامة دولته.

وكان الرئيس الروسي قد ذكر في وقت سابق أن "القضية الفلسطينية في قلب كل مسلم ويعتبرونها ظلمًا"، وذهب إلى أن "الاستيطان ومشكلات أخرى تسببت في الحرب الحالية".

وتخشى مصادر إسرائيلية أن يكون التقارب الروسي الإيراني من جانب، والزيارات التي أجراها مسؤولون من حماس إلى موسكو في السنوات الأخيرة، تعني أن التصريحات الروسية مجرد مقدمة لانخراطها في المعادلة الشرق أوسطية.

هجوم حماس يكشف تدهور العلاقات بين روسيا وإسرائيل

ورصدت تصريحات صادرة عن دوائر روسية مختلفة، منها على سبيل المثال الناطق باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، الذي ذكر في وقت سابق أنه "من غير الممكن عدم إدانة الأعمال التي تعتبر إرهابًا، لكن يجب ألا ننسى الظروف التي أدت إليها".

واقتبست عن مواقع إلكترونية روسية: "نحن نتحدث هنا عن انتفاضة أسرى بداخل (غيتو) ليس لديهم ما يخسرونه، بعد أن أنهكهم الإذلال المستمر وكونهم رهينة لعدو قوي".

واستشهدت بصحف رسمية لحكومة بيلاروسيا أيضًا، وذكرت أن "الفلسطينيين يظهرون معارضة لأعمال إسرائيل الفاشية ويجب إسقاط قنبلة ذرية على إسرائيل"، على حد قول الصحيفة العبرية.

تداعيات "طوفان الأقصى" على أوكرانيا

ونقلت الصحيفة عن دبلوماسيين أوروبيين (لم تسمهم) أن من مصلحة روسيا اشتعال الأوضاع في الشرق الأوسط؛ إذ يصب هذا الوضع في مصلحتها فيما يتعلق بالحرب في أوكرانيا، وذكروا أيضًا أن "الأزمة تعد فرصة لروسيا؛ لأن الأمريكيين والأوروبيين مشغولون بها، وكل ما يعد سيئًا لأوروبا وأمريكا يعد فرصة لروسيا".

وتقول الصحيفة إن كييف بدورها على قناعة بأن التصريحات الصادرة في روسيا "لا تشجع فقط النيران والدماء في الشرق الأوسط، ولكنها أسهمت بشكل فعال لصالح حماس".

موقف الصين من "حماس" يثير غضب إسرائيل

وزعمت وزارة الدفاع الأوكرانية أن روسيا زودت حماس بأسلحة مصنوعة في الولايات المتحدة وأوروبا، والتي تم الاستيلاء عليها أثناء الحرب في أوكرانيا. وقال بيان صادر عن الوزارة في كييف: "إن روسيا تستغل هجوم حماس على إسرائيل بغرض صرف الأنظار، وفي الوقت نفسه تخطط لهجوم كبير على أوكرانيا".

وكان الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، قد زعم في خطاب ألقاه أخيرًا أن "لديه معلومات استخبارية بأن روسيا تحرض على الحرب في الشرق الأوسط؛ وأن مصدرا جديدا للألم والمعاناة سيؤدي إلى انكماش وحدة العالم ويسهم في تدمير الحرية التي تنعم بها أوروبا".

تقارب إسرائيلي أوكراني

وتخشى كييف أن تطالها تداعيات الحرب في الشرق الأوسط، ولا سيما فيما يتعلق بإمدادات السلاح الغربي، في وقت تجد فيه إدارة بايدن صعوبة في المصادقة على مساعدات كبيرة أخرى لأوكرانيا، فإن حاجتها لتعزيز قدرات إسرائيل ستأتي على حساب أوكرانيا.

وعلى الرغم من التأكيدات الأمريكية بأن المساعدات تكفي كلا من إسرائيل وأوكرانيا، إلا أن الصحيفة تعتقد أن الأمر لم يطمئن كييف.

منزل مُدمر جراء الغارة الإسرائيلية على غزةرويترز

وذكر دبلوماسيون أوروبيون للصحيفة، أنه لا يوجد تضارب مصالح بين حاجات أوكرانيا وتلك التي تحتاج إليها إسرائيل، وأن لكل منهما ظروفا مختلفة، لكن مصادر أخرى أبلغت الصحيفة أنه قد يصعب تحقيق توازن في مسألة دعم البلدين، ولا سيما الدعم الاقتصادي، في ظل حقيقة أن دولًا غربية بدأت بالفعل تجد صعوبات في تزويد كييف بمتطلباتها.

وختمت الصحيفة بأن السياسات الإسرائيلية منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا كانت تشدد على الامتناع عن اتهام روسيا بشكل مباشر وعدم توفير دعم عسكري للجيش الأوكراني؛ لتجنب فتح جبهة مع موسكو، بيد أنه من المحتمل أن تدفع الحرب الحالية في غزة إسرائيل إلى تعزيز دعمها لأوكرانيا ومساعدتها بطرق تجنبتها حتى الآن.

صحيفة "ماكور ريشون" العبرية