في اكتشاف استثنائي يسلط الضوء على حياة أحد أعظم العقول العلمية في التاريخ، عُثر هذا الصيف على حوالي عشر براءات اختراع "بالغة الأهمية" تعود للمخترع السويدي ألفريد نوبل كانت مفقودة منذ نحو نصف قرن، في منزل عائد لزوجين في السويد. هذا الاكتشاف الذي أعلنت عنه مؤسسة نوبل، حيث تقدم هذه الوثائق النادرة لمحة فريدة عن حياة العالم الذي غير مسار البشرية باختراعاته وتوصيته بإنشاء أرفع الجوائز الدولية تقديراً للإنجازات العلمية والإنسانية.

تفاصيل الاكتشاف الاستثنائي

وفقاً لما ذكرته  به مؤسسة نوبل، تلقّت المؤسسة اتصالاً من أحد العاملين في دار مزادات أخبرهم أن زوجين في جنوب السويد، في منطقة بليكينج، عثرا على بعض الوثائق في منزلهما حيث كانا يقضيان العطلة الصيفية.

 لم تكن هذه الوثائق مجرد أوراق عادية، بل كانت كنزاً تاريخياً يتكون من حوالي عشر براءات اختراع تعود لألفريد نوبل نفسه، كانت مفقودة منذ ما يقرب من خمسين عاماً، وبعد استعادة الوثائق، قامت المؤسسة بفحصها وتأكد لها أنها "بالغة الأهمية" وتريد الحفاظ عليها للأجيال المقبلة.

ولم يُعرف بعد كيف وصلت هذه الوثائق إلى منزل الزوجين، لكنها بحسب رئيسة مؤسسة نوبل، تقدم لمحة فريدة عن حياة عالم الكيمياء، إذ "عندما تتصفح الوثائق، تتكون لديك فكرة عن طبيعة الحياة قبل مئة وخمسين عاماً"، وكيف سافر ألفريد نوبل وعمل في مختلف أنحاء أوروبا. هذا الاكتشاف ليس مجرد مجموعة من الأوراق القديمة، بل هو نافذة على حقبة تاريخية مهمة وعقلية واحد من أعظم المخترعين في القرن التاسع عشر.

الأهمية التاريخية للبراءات المكتشفة

من بين البراءات العشر التي عُثر عليها، تبرز براءة اختراع تعود إلى عام ألف وثمانمئة وخمسة وستين كقطعة خاصة بأهمية استثنائية. وفقاً لأمين متحف نوبل، "تعود هذه البراءة لبداية مسيرة ألفريد نوبل كمخترع، إنها براءة اختراع من مرحلة حاسمة عندما اخترع صاعق التفجير وكان يتقدم نحو تطوير الديناميت".

 هذه البراءة لا تمثل مجرد وثيقة قانونية، بل هي شاهد على اللحظة التي بدأ فيها نوبل تحويل النيتروجليسرين من مادة خطيرة غير مستقرة إلى أداة مفيدة يمكن التحكم فيها.

البراءات الأخرى في المجموعة تتعلق بأساليب إنتاج المتفجرات القائمة على النيتروغليسرين واستخدامها، مما يقدم رؤية شاملة لتطور أفكار نوبل التقنية عبر الزمن. بالنسبة للمؤرخين وعلماء التاريخ العلمي، تمثل هذه الوثائق مصدراً ثميناً لفهم أفضل لطريقة عمل نوبل وتفكيره، وكيف استطاع تحويل الأفكار العلمية إلى تطبيقات عملية غيرت العالم.

حياة نوبل من خلال الوثائق

وفقاً لرئيسة مؤسسة نوبل، فإن هذه الوثائق لا تقدم فقط معلومات تقنية، بل تقدم لمحة فريدة عن حياة نوبل الشخصية والعملية، وومن خلال تتبع براءات الاختراع هذه، يمكن للباحثين تتبع تحركات نوبل عبر أوروبا وفهم كيف كان يعمل ويتعاون مع آخرين في مختلف البلدان. نوبل، الذي عاش في السويد وروسيا وألمانيا وفرنسا والولايات المتحدة وبريطانيا وإيطاليا، كان حقاً مواطناً عالمياً، وهذه البراءات تثبت ذلك.

عند تصفح هذه الوثائق، يمكن للمرء أن يتخيل كيف كانت الحياة قبل مئة وخمسين عاماً، كيف كان السفر أصعب، وكيف كانت الاتصالات أبطأ، ومع ذلك استطاع نوبل إدارة شبكة من الشركات والتعاونات عبر القارات. لحماية براءات اختراعه وتجنب نقل النيتروغليسرين الخطير لمسافات طويلة، أنشأ المخترع شركات في عدة بلدان، وهذه الجوانب من حياة نوبل تظهر أنه لم يكن عالماً بارعاً فحسب، بل كان رجل أعمال دولياً سبق عصره.

الحفظ والعرض للجمهور

بعد استعادتها، قررت مؤسسة نوبل الحفاظ على هذه الوثائق المهمة لعرضها على الجمهور والأجيال القادمة، ونظراً للاهتمام الكبير من الجمهور، تم عرض بعض الوثائق بالفعل في متحف جائزة نوبل في ستوكهولم. هذا القرار يتيح للزوار فرصة فريدة لرؤية هذه القطع التاريخية عن قرب واستشعار الأهمية التي تحملها، بينما العرض لا يسمح للجمهور برؤية الوثائق فحسب، بل يساعد أيضاً في سرد قصة أوسع عن نوبل وإرثه. من خلال رؤية براءات الاختراع هذه، يمكن للزوار فهم الجانب العملي من عبقريته وكيف حول الأفكار إلى منتجات ملموسة غيرت العالم.

ألفريد نوبل: رحلة عبقري من الديناميت إلى جوائز السلام

لفهم الأهمية الحقيقية لهذا الاكتشاف، يجب العودة إلى حياة ألفريد نوبل نفسه. وُلد نوبل في ستوكهولم بالسويد عام ألف وثمانمئة وثلاثة وثلاثين، وكان كيميائاً ومهندساً ومخترعاً غزير الإنتاج.

 امتلك نوبل ذكاءً حاداً وفضولاً علمياً لا حدود له، قاده إلى السفر عبر أوروبا والعالم، مما أكسبه لقب "أغنى متشرد في العالم". خلال أسفاره الكثيرة، سجل نوبل مئات براءات الاختراع في بلدان مختلفة، تركزت حول أساليب إنتاج المتفجرات القائمة على النيتروغليسرين واستخدامها.

اختراع نوبل الأكثر شهرة هو الديناميت، الذي سجله عام ألف وثمانمئة وسبعة وستين. هذا الاختراع الذي هدف في الأصل إلى جعل العمل في المناجم والبناء أكثر أماناً، أصبح سلاحاً فتاكاً في الحروب، مما سبب لنوبل صراعاً نفسياً عميقاً.

و يشاع أن نوبل شعر بندم شديد عندما رأى الاستخدام لاختراعه، مما دفعه إلى تخصيص الجزء الأكبر من ثروته لإنشاء جوائز تحمل اسمه وتُمنح لأولئك الذين يخدمون البشرية في مجالات الفيزياء والكيمياء والطب والأدب والسلام.

توفي نوبل في سان ريمو بإيطاليا عام ألف وثمانمئة وستة وتسعين، تاركاً وراءه إرثاً معقداً يجمع بين قوة التدمير ورغبة في السلام والتقدم البشري. ومنذ عام ألف وتسعمئة وواحد، أصبحت جوائز نوبل أرفع تقدير للإنجازات البشرية في المجالات العلمية والأدبية والإنسانية، تحقيقاً لرغبة نوبل في مكافحة الاتجاهات لبعض اختراعاته من خلال تشجيع ما هو إبداعي ومفيد للبشرية.