مدينة النفط.. جدل الهوية يُبقي منصب محافظ "كركوك" شاغرًا

محمد الرخا - دبي - الخميس 27 يونيو 2024 06:03 مساءً - أحمد عبد - الخليج الان

Advertisements

مازال الصراع قائمًا بين الأحزاب والكتل السياسية الفائزة في انتخابات مجالس المحافظات لتسمية محافظ لمدينة "كركوك" العراقية، رغم مرور 6 شهور على إجراء الانتخابات، في وقت تمكنت فيه 13 محافظة عراقية من حسم ذلك المنصب دون تعقيدات سياسية.

الصراع داخل محافظة كركوك لا يقتصر على التنافس الحزبي السياسي، بل هو "صراع الهوية والاقتصاد، بين مكونات المحافظة، التي تنوعت بين الدينية، والقومية، والمذهبية، على حد سواء"، بحسب المحلل السياسي التركماني، يلمز البياتي.

انتخابات بعد انتظار

منذ العام 2003 أجرى العراق 5 انتخابات لمجالس المحافظات، لكن محافظة كركوك لم يجرَ فيها سوى دورتين انتخابية، الأولى منها كانت العام 2005، والثانية ضمن الانتخابات الأخيرة التي أجريت، في 18 كانون الثاني 2023، وذلك للخلافات السياسية والصراع القائم بين حكومتي المركز وإقليم كوردستان على المدينة، التي حاول الأكراد إثبات كرديتها وضمها إلى الإقليم، فيما أصرت بغداد على تبعيتها للمركز.

ويتكون مجلس محافظة كركوك، بحسب قانون الانتخابات، من 16 عضوًا، فاز فيها العرب السنة بـ 6 مقاعد والأكراد بـ 7 مقاعد تقاسمها الحزبان الكرديان الرئيسان (الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني)، ومقعدين للمكون التركماني، ومقعد واحد للمسيحيين، حيث حصدته حركة "بابليون" التي يتزعمها ريان الكلداني قائد أحد ألوية الحشد الشعبي.

وهذه القسمة الانتخابية لمجلس المحافظة الجديد جعل المحافظة أمام تحدٍ لخليط غير متجانس خاصة أن القوميات في المحافظة في صراع دائم على مدى 20 عامًا مضت، خاصة ما يخص منصب المحافظ الذي يتيح له الدستور العراقي صلاحيات إدارية وأمنية واسعة ضمن نطاق المحافظة.

تحالف اللاتحالف

يتطلب استحقاق منصب المحافظ حصول المرشح على أغلبية مريحة بواقع النصف زائد واحد، وهو ما لا يمكن توفيره، حاليًا، في خريطة توزيع مقاعد كركوك، أي أن الفائز يجب أن يحصل على 9 أصوات من أعضاء مجلس محافظة كركوك من مجموع 16 عضوًا.

يقول، يلمز البياتي، لـ "الخليج الان"، إن "الحزبين الكرديين تمكنا من جذب الفائز عن حركة بابليون "بالكوتا" إلى جانبهما، ليصبح عدد مقاعدهما 8 مقاعد، مقابل التحالفات المعتادة في كركوك بين العرب والتركمان بواقع 8 مقاعد أيضًا، وهذا يعني أنه لا وجود لأغلبية تحالفات داخل المجلس تمكن أحد الأطراف من حسم منصب المحافظ".

عضو تحالف "عزم" العربي في كركوك، عزام الحمداني، يرى أنه لا حلَّ في الأفق لقضية كركوك، وأن الحلَّ يجب أن يأتي من بغداد وبتدخل مباشر من قبل رئيس الوزراء محمد شياع السوداني.

وقال لـ "الخليج الان"، إن "المشهد السياسي في كركوك معقَّد بشكل كبير، فالمكونان الرئيسان (العرب والأكراد) كل منهما متمسك بالحصول على منصب المحافظ، وهذا لن يتحقق لأي من الطرفين إلا في حال حصول توافقات سياسية"، داعيًا إلى "تدخل رئيس الوزراء شخصيًا لحل هذا الملف".

من جانبه، وصف عضو الجبهة التركمانية خضر الأغا، "الصراع على منصب المحافظ بالصراع ذي البعد القومي، وهذا ليس بالجديد على كركوك التي يستمر فيها هذا الصراع دون نهاية".

فيما توقعت، المسؤولة بمجلس محافظة كركوك، بروين فاتح، أن يكون المحافظ من خارج المجلس، أي ليس أحد أعضاء المجلس، شريطة موافقة جميع المكونات عليه.

وقالت فاتح، لـ "الخليج الان"، إن "مدينة كركوك تعاني من مشاكل كثيرة لم تحل منذ 20 عامًا، خاصة ما يخص المادة 140، وملف الوافدين، والمرحَّلين من كركوك قبل العام 2003، وكل هذه الملفات العالقة تعقّد المشهد بشكل عام، وانتخاب المحافظ بشكل خاص".

محاولات غير مجدية

وكان رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، قد عقد اجتماعًا قبيل أيام قليلة ضم أعضاء مجلس محافظة كركوك وقيادات سياسية فيها، للتوصل إلى حل لتشكيل الحكومة المحلية وحسم مناصب مجلس المحافظة والمحافظ.

لكن يبدو أن محاولة، السوداني، لن تجدي نفعًا، فلم يحدث أي تقدم يذكر على مستوى التفاهمات بين الأطراف المتنازعة، وهذا ما يجعل رئيس الوزراء عاجزًا عن حل هذه القضية.

وتشير مصادر من داخل كركوك، إلى أن الأطراف العربية والكردية، مازالت تعقد لقاءات بهدف تقسيم المناصب بين الطرفين بشكل توافقي، فأمامهما منصبا المحافظ ورئيس مجلس المحافظة، يمكن تقاسمهما فيما بينهما.

كنز لا ينضب

تعد مدينة كركوك واحدة من أهم المدن الاقتصادية في البلاد، فهي أول مدينة تم تصدير النفط منها عبر حقل بابا كركر العملاق العام 1934، فيما تحوي العديد من الحقول النفطية الأخرى، مثل: حقل جمبور، وحقل باي حسن الجنوبية، وحقل باي حسن الشمالية، وحقل آفانا، وحقل "نانه وا"، وحقل كيوي بور، وتقدر كميات النفط المخزونة ضمن الرقعة الجغرافية لكركوك بأكثر من 10 مليارات برميل من النفط.

كما تشتهر المحافظة كونها من المحافظات الزراعية التي يرتكز عليها الأمن الغذائي العراقي، فهي تحوي آلاف الهكتارات من الأراضي الزراعية الخصبة، وتنتج الخضراوات والحبوب بكميات كبيرة.

تلك الثروات الاقتصادية جعلتها محط أنظار حكومة إقليم كوردستان التي دائمًا ما تلوح بالانفصال كما فعلت في استفتاء العام 2017، وهي بذلك تريد ضمان أن تستحوذ على كركوك وحقول النفط فيها، عبر بوابة الهوية الكردية.

الحل في الحل

يرى الخبير الإستراتيجي، محمد العبيدي، أن أمام حكومة كركوك 3 حلول أمرُّها حل المجلس والذهاب إلى انتخابات أخرى.

وقال لـ "الخليج الان"، إن "أفضل خيار أمام حل أزمة كركوك هو جعل المنصب دوري بين العرب والأكراد، أي بواقع إدارة عامين لكل منهما، أو تقديم أحدهما تنازلاً لاختيار مرشح واحد، أو حل مجلس المحافظة، والذهاب إلى انتخابات جديدة خاصة بالمحافظة، وهذا الخيار سيكون مرًا لأن حكومة المركز لن ترضى بذلك".