حال فوزه.. كيف سيؤثر صعود اليمين المتطرف الفرنسي على باقي دول أوروبا؟

محمد الرخا - دبي - الخميس 27 يونيو 2024 10:06 صباحاً - كشف تقرير لصحيفة "الغارديان" أن الفوز شبه المؤكد لحزب التجمع الوطني الفرنسي في الانتخابات العامة المبكرة المقبلة يثير تساؤلات وجودية حول دور فرنسا في الاتحاد الأوروبي وتأثيره على أداء التكتل.

Advertisements

وبينما يحقق حزب التجمع الوطني الفرنسي، بزعامة مارين لوبان، فوزًا كبيرًا في انتخابات البرلمان الأوروبي، تستعد فرنسا لتحوّل محتمل في مشهدها السياسي، إذ دفع هذا الانتصار الرئيس إيمانويل ماكرون إلى حل البرلمان، ما أثار اضطرابات سياسية، وتساؤلات حول دور فرنسا في الاتحاد الأوروبي، بحسب تقرير نشرته صحيفة "الغارديان".

رسالة مارين لوبان

وكانت مارين لوبان واضحة في خطاب فوزها، فقد أعلنت: "رسالة الليلة - بما في ذلك الحل - موجهة أيضًا إلى القادة في بروكسل. هذا النصر الكبير للحركات الوطنية يتماشى مع اتجاه التاريخ. نحن مستعدون للاستيلاء على السلطة إذا رغب الشعب في ذلك".

ولم يعد حزب التجمع الوطني يدعو إلى خروج فرنسا من الاتحاد الأوروبي أو منطقة اليورو، وهو تحوّل كبير عن موقفه في عام 2017، عندما هزمت حملة ماكرون المؤيدة للاتحاد الأوروبي حزب اليمين المتطرف بشكل حاسم. ومع ذلك، فإن الفوز شبه المؤكد لحزب التجمع الوطني في الانتخابات العامة المبكرة المقبلة يثير تساؤلات وجودية حول دور فرنسا في الاتحاد الأوروبي وتأثيره على أداء الكتلة.

أخبار ذات صلة

الانتخابات الفرنسية.. "مبارزة" بين التجمع الوطني والجبهة الشعبية

التأثير على الساحة الأوروبية

وشدد رئيس حزب التجمع الوطني ورئيس الوزراء المحتمل إذا فاز الحزب بالأغلبية المطلقة، جوردان بارديلا، على عودة فرنسا إلى المسرح الأوروبي. وقال: "إن وصولنا إلى السلطة سيمثل عودة فرنسا إلى المسرح الأوروبي - للدفاع عن مصالحها"، مشيراً إلى استعداد حزبه للتفاوض بشأن استثناءات من العديد من قواعد الاتحاد الأوروبي لفرنسا.

وتشير استطلاعات الرأي إلى أنه من غير المرجح أن يفوز حزب التجمع الوطني بأغلبية مطلقة تبلغ 289 نائبا في الانتخابات التي ستجرى على جولتين في 30 يونيو و7 يوليو. ومع ذلك، فإن توقعات حصوله على 32% إلى 35% من الأصوات، ستجعل منه أكبر قوة في الجمعية الوطنية.

المشهد السياسي وردود الفعل الأوروبية

وتشير الصحيفة إلى أن النتيجة المرجحة للانتخابات هي برلمان منقسم بشدة ومستقطب، حيث حصلت الجبهة الشعبية الجديدة ذات اليسار الأخضر على ما يتراوح بين 28% إلى 30%، وتقلّصت شعبية ائتلاف ماكرون الوَسطي إلى نحو 20%. وقد أثار قرار ماكرون الدعوة إلى إجراء انتخابات مبكرة قلقا في عواصم الاتحاد الأوروبي الأخرى، حيث ينظر إليها على أنها خطوة محفوفة بالمخاطر، يمكن أن تؤدي إلى برلمان معلق، مما يزيد من تعقيد عملية صنع القرار في الاتحاد الأوروبي.

ومن الممكن أن يؤدي الفوز الكبير لحزب التجمع الوطني إلى تشجيع الأحزاب اليمينية المتطرفة الأخرى المتشككة في أوروبا في الانتخابات المقبلة في ألمانيا والنمسا. كما من الممكن أن يؤدي البرلمان المعلق في فرنسا إلى فترة طويلة دون وجود حكومة تؤدي وظيفتها بشكل كامل، وهو ما من شأنه أن يؤثر على قدرة فرنسا على المشاركة بشكل بنّاء في الاتحاد الأوروبي.

صنع القرار الأوروبي في خطر

وتضيف الصحيفة أن سلطات الرؤساء الفرنسيين تعتمد بشكل كبير على الدعم البرلماني. وقد حذر مجتبى الرحمن، من مجموعة أوراسيا الاستشارية، من أن البرلمان المعلق سيؤدي إلى "الغياب التام لأي عملية صنع قرار أوروبية". وقد ردد فرانسوا هايسبورج من المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية هذه المخاوف، مؤكدًا على أهمية وجود رئيس فرنسي قوي لاتحاد أوروبي موحد.

وكان ماكرون، المؤيد للاتحاد الأوروبي، مصدرًا للأفكار المبتكرة للاتحاد الأوروبي، بما في ذلك الجماعة السياسية الأوروبية، والاقتراض المشترك لإنعاش اقتصادات أوروبا بعد الوباء. ومن الممكن أن يؤدي نفوذ اليمين المتطرف في البرلمان الفرنسي إلى عرقلة هذه المبادرات، وتعزيز رؤية "أوروبا الأمم" مع عودة المزيد من السلطة إلى العواصم الوطنية.

أخبار ذات صلة

فرنسا.. توقعات بمنافسة "قوية" بين اليسار و"التجمع الوطني"

رؤية حزب التجمع الوطني الأوروبية

يتضمن جدول أعمال التجمع الوطني حجب جزء من المساهمة المالية الفرنسية للاتحاد الأوروبي، وتشريع "تفضيل وطني" للشركات الفرنسية والزراعة، ومراجعة اتفاقيات التجارة الحرة للاتحاد الأوروبي. وتتحدى هذه المواقف مبادئ السوق الأوروبية الموحدة، ويمكن أن تعرقل الاقتراض المشترك للاتحاد الأوروبي لأغراض الدفاع أو التحول الأخضر.

وقد صرح المدير العام السابق للشؤون الاقتصادية والمالية في المفوضية الأوروبية، ماركو بوتي، بأنه في حين يستطيع الاتحاد الأوروبي التعامل مع إيطاليا المتشككة في أهمية الاتحاد الأوروبي، فإنه لا يستطيع التعامل مع فرنسا المتشككة في الكتلة السياسية والاقتصادية، إذ تتعارض قيم حزب التجمع الوطني بشكل أساسي مع المبادئ الأساسية للمشروع الأوروبي، ما يجعل من الصعب تحقيق المزيد من التكامل في مجالات مثل اتحاد البنوك أو أسواق رأس المال وسياسة الدفاع المشتركة.

التطمينات والسياسات الاقتصادية

وتضيف الصحيفة اللندنية أن حزب التجمع الوطني قام بمراجعة بعض السياسات لتجنب الصراعات المباشرة مع بروكسل، مثل تحدي سوق الكهرباء الأوروبي. وأكد بارديلا أن أي حكومة يقودها حزب التجمع الوطني ستتبع سياسات اقتصادية واقعية وتحافظ على صوت فرنسا الدولي. ومع ذلك، فإن وعود حزب التجمع الوطني بخفض الضرائب على الوقود والغاز والكهرباء، إلى جانب التخفيضات الضريبية المقترحة للشركات، يمكن أن تتعارض مع اللوائح المالية للاتحاد الأوروبي.

ومؤخرًا وجهت المفوضية الأوروبية توبيخًا لفرنسا بسبب الإفراط في الإنفاق الحكومي، لذا تبدو التعهدات الاقتصادية التي قدمها حزب التجمع الوطني غير متوافقة مع خطة خفض العجز التي فرضها الاتحاد الأوروبي، والتي من المقرر أن يتم تنفيذها في الخريف. وبينما سيبقى ماكرون مسؤولًا عن السياسة الخارجية، يلعب وزراء الحكومة دورًا حاسمًا في صياغة قوانين الاتحاد الأوروبي.

أخبار ذات صلة

بعد صعود اليمين المتطرف.. كيف تبدو خارطة البرلمان الأوروبي الجديد؟ (إنفوغراف)

دور فرنسا في الاتحاد الأوروبي

وتسيطر الجمعية الوطنية الفرنسية على الشؤون المالية للبلاد، ما يعني أن حكومة حزب التجمع الوطني يمكن أن تؤثر على المساعدات الفرنسية لأوكرانيا، لكن بارديلا تعهد بعدم التشكيك في الإنفاق الدفاعي الفرنسي، لكنه عارض إرسال قوات أو أسلحة بعيدة المدى إلى أوكرانيا.

وقد سلطت سوزي دينيسون، العضو البارز في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، الضوء على شكوك الرأي العام الفرنسي تجاه الاتحاد الأوروبي، إذ وجد استطلاع أجراه المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية عام 2019 أن 69% من الناخبين الفرنسيين شعروا بأن الاتحاد الأوروبي والأنظمة السياسية المحلية في حالة من التفكك، مقارنة بمتوسط سكان الاتحاد الأوروبي البالغ 38%. واستمر هذا الشعور حتى عام 2024، إذ رأى 56% من الفرنسيين أن السياسة الفرنسية والأوروبية ما زالت في حالة التفكك نفسها.

ومع اضطراره إلى التعايش الصعب مع برلمان ذي وجهات نظر متعارضة، فقد يجد ماكرون قدرته على المناورة على مسرح الاتحاد الأوروبي مقيدة بشكل كبير.

وبينما تقف فرنسا على حافة التحول السياسي، لا يمكن التقليل من التأثير المحتمل الذي قد تخلفه فرنسا المتشككة في أوروبا على الاتحاد الأوروبي. وستشكل الانتخابات المقبلة ونتائجها دور فرنسا في الاتحاد الأوروبي، وقدرتها على التأثير على الاتجاه المستقبلي للكتلة.