محمد الرخا - دبي - الأحد 23 يونيو 2024 10:06 مساءً - عاد السوريون إلى استعمال "البوابير"، بسبب ندرة الغاز والكهرباء ومصادر الطاقة الأخرى، حيث شكّلت هذه الأداة المتوارثة من الأجداد، بديلاً للأفران الحديثة، في الطبخ وتسخين المياه والتدفئة.
ويتألف "الببّور" من صندوق بيضويّ مصنوع من النحاس، وذراع معدنية تُستخدم لتوليد الضغط. كما يعتلي الصندوق رأسٌ مخصص للاشتعال، محاط بحمّالات ترتكز عليها الطناجر أثناء الطهي.
وبعد سنوات الحرب واحتلال أميركا لمنابع النفط الرئيسة في البلاد، أنزل الأهالي "بوابيرهم" من سقائف المنازل، ومن لم يمتلك "ببورًا" هرع إلى السوق كي يشتري واحدًا يعينه في تأمين متطلبات الأسرة.
الحديد بدل النحاس
ولجأ صُنّاع "البوابير" إلى استبدال معدن النحاس بالحديد، نظرًا لانخفاض سعره. كما عانت الأسواق في البداية من عدم توافر هذه الآلة التي ظنّ الناس أنها انقرضت منذ عشرات السنين.
ورغم أن "الببّور" يتم تشغيله عادةً بمادة "زيت الكاز" السائل، إلا أن الناس اضطروا لتزويده بأي سائل قابل للاحتراق، مثل المازوت المخلوط بقليل من البنزين، أو الكحول المكرر بطرق مختلفة.
ويقول أبو محمد، صاحب أحد المحال لـ"الخليج الان": "انقرضت بوابير النحاس إلى غير رجعة بسبب سعره المرتفع. وحلت مكانها بوابير الحديد، بعد توقف طويل عن صناعة هذه الآلة، وتصنيفها كتراث شعبي قديم".
ويبلغ سعر ببور الحديد الجيد قرابة 220 ألف ليرة، (حوالي 15 دولارًا تقريبًا) بينما يبلغ راتب الموظف 20 دولارًا، أو 350 ألف ليرة.
ويقول أبو نظام، وهو بائع بوابير في منطقة المناخلية بدمشق لـ"الخليج الان": "من كان يتخيل أننا سنعود لاستخدام الببور؟ لقد ندم الناس على رمي هذه الآلة الحيوية، أو بيعها بسعر بخس، لكنهم اكتشفوا أهميتها اليوم".
التحايل على تأمين الوقود
ورغم قلة الوقود بأنواعه المختلفة في سوريا، إلا أن مصروف الببور القليل، وإمكانية ملئه بعدة أنواع من المحروقات، جعل استخدام الببور أمرًا ممكنًا، بواسطة الكاز أو المازوت أو الكحول.
ولجأ البعض إلى خلط المازوت بالملح، بهدف تخفيفه حتى يصبح اشتعاله سهلاً، كما استخدم آخرون سائل الكحول الأزرق أو الأبيض المشتق من النفط بدرجات نقاء متفاوتة.
وتسبّب الاستخدام العشوائي للوقود بحوادث كثيرة أدت إلى إصابات خطيرة، خاصة عندما عمد البعض إلى خلط المازوت بنسبة كبيرة من البنزين سريع الاشتعال، ما أدى إلى اشتعال النار بشكل قوي، أو حصول انفجار في الصندوق المعدني.
ببّور النحاس.. ثروة!
ويظهر الفارق الكبير بين ببّور النحاس القديم وببّور الحديد المستحدث اليوم، فالأول يفوق الثاني عدة أضعاف في الوزن، كما يعتبر آمناً في الاستخدام نظرًا لسماكة النحاس العالية فيه. ويتجاوز سعر ببور النحاس المليون ليرة حسب حجمه، ما يجعله ثروة بالنسبة للعائلات التي حافظت عليه.
وعمدت بعض العائلات الفقيرة إلى بيع ما تمتلكه من بوابير النحاس الفائضة لديها بسبب الضائقة الاقتصادية، لكنها حرصت على الاحتفاظ بواحد من أجل أيام الشدة.