محمد الرخا - دبي - الأربعاء 19 يونيو 2024 05:17 مساءً - سلط مقال، نشرته مجلة فورين أفيرز الأمريكية، الضوء على أسباب قوة الدولار الأمريكي؛ ما يجعل من تغيير هيمنته أمرًا صعبًا.
وقال أستاذ السياسات التجارية في جامعة كورنيل والزميل في معهد بروكينغز، إسوار براساد، في مقال تحليلي، إن الدولار الأمريكي هو العملة الأكثر سهولة في التعرف عليها، والمقبولة على نطاق واسع عالميًّا، والمطلوبة بشدة في العالم، لكنها تعتبر مكروهة للغاية بسبب السلطة التي تمنحها للولايات المتحدة في الشؤون الدولية، بحسب محللين.
وأضاف أن واشنطن تستخدم الدولار كسلاح ضد منافسيها من خلال فرض العقوبات عليهم وتجميد أصولهم.
واعتبر براساد أنه حتى حلفاء الولايات المتحدة يشعرون بالاستياء من اعتمادهم على الدولار؛ ما يعرض اقتصاداتهم وأنظمتهم المالية لتقلبات السياسات الأمريكية، مشيرًا إلى أنهم بالتالي يريدون إنهاء هيمنة الدولار، حيث يحرص الحلفاء والخصوم على حد سواء على الترويج للبدائل، بما في ذلك عملاتهم الخاصة، فيما تبذل الولايات المتحدة كل ما في وسعها لمساعدتهم.
وأردف "لم يعد الاقتصاد الأمريكي العملاق كما كان عليه من قبل، كما إن ديونها العامة ضخمة وفي ارتفاع، ناهيك عن أن عملية صنع السياسات في واشنطن عملية غير منتظمة ولا يمكن التنبؤ بها".
وتابع أن "التهديدات المستمرة بالتخلف عن سداد الديون تقوض التصور بأن سندات الحكومة الأمريكية آمنة، والأسوأ من ذلك هو أن العناصر الأساسية لقوة الدولار، التي تشمل سيادة القانون، والاحتياطي الفدرالي المستقل، ونظام الضوابط والتوازنات، تم تقويضها في الأعوام الأخيرة على يد السياسيين الشعبويين الذين قلصوا المؤسسات الديمقراطية في البلاد".
التعامل بالدولاررويترز
هل يفقد الدولار قوته؟
واعتبر الكاتب أنه بالنظر إلى المعطيات السابقة، فإنه لن يكون من المستغرب أن يفقد الدولار قوته بسرعة، لكن الواقع يقول إن عكس ذلك هو الذي يحدث، فالاتجاهات التي من المتوقع أن تؤدي إلى إضعاف الدولار، والتي يقود الكثير منها السياسة الأمريكية، لا تؤدي إلا إلى تعزيز هيمنة الدولار العالمية.
وشدد الكاتب على أن الدولار يظل على القمة، ويرجع ذلك جزئيًّا إلى حجم الاقتصاد الأمريكي وديناميكيته مقارنة بالاقتصادات الكبرى الأخرى.
وعن أسباب ذلك، يرى الكاتب أنه رغم ضعف المؤسسات الأمريكية، فإن المؤسسات الموجودة في أجزاء أخرى من العالم ليست في وضع أفضل، مع صعود الشعبوية والاستبداد.
علاوة على ذلك، فإن الاضطرابات الاقتصادية والجيوسياسية لا تؤدي إلا إلى تكثيف البحث عن استثمارات آمنة؛ ما يدفع المستثمرين عادة إلى العودة إلى الدولار، الذي يظل العملة الأكثر ثقة عالميًّا.
كما إن الأسواق المالية في الولايات المتحدة تعتبر أكبر بكثير من الأسواق المالية في البلدان الأخرى؛ ما يجعل شراء وبيع الأصول الدولارية عملية أسهل وأرخص.
وحتى في ظل التقديرات المتحفظة، فإن ما لا يقل عن نصف إجمالي التجارة الدولية مقوم بالدولار، وهو أكثر بكثير من أي عملة أخرى، وأكبر بكثير من حصة الولايات المتحدة في التجارة العالمية، التي تبلغ نحو 11%.
وأشار الكاتب إلى أن ما يقرب من نصف المدفوعات الدولية تتم تسويتها بالدولار، كما إنه يعد العملة الاحتياطية العالمية الرئيسة، حيث يوجد نحو 59% من احتياطيات النقد الأجنبي في البنوك المركزية بالعالم في أصول مقومة بالدولار، أو أصول يتم تحديد قيمتها الاسمية وأسعارها بالدولار.
وتابع براساد: "عندما تحاول الشركات أو الحكومات في البلدان النامية جمع الأموال في أسواقها المالية، فإنها تضطر بشكل روتيني إلى الاقتراض بالعملات الأجنبية، ويرجع ذلك عادة إلى افتقار المستثمرين الأجانب إلى الثقة في قيمة العملات المحلية لتلك البلدان، ويفضلون السداد بالدولار".
وأشار إلى أن بعض الشركات والبنوك الأوروبية تفضل جمع رأس المال بالدولار، لأن وفرة الدولارات تجعل ذلك أرخص وأسهل، إذ إن ثلثي الأوراق المالية التي تصدرها الشركات خارج بلدانها الأصلية مقومة بالدولار.
وشدد الكاتب على أن طلب البنوك المركزية الأجنبية على سندات الخزانة الأمريكية يساعد في تمويل اقتراض الحكومة الأمريكية؛ ما يبقي أسعار الفائدة الأمريكية منخفضة نسبيًّا، وهذا بدوره يحفز أيضًا الحكومات والشركات والمؤسسات المالية الأجنبية على الاقتراض بالدولار.
أخبار ذات صلة
الدولار يقلص خسائره مع توقع خفض الفائدة مرة واحدة في 2024
الدولار والسياسة
ويرى براساد أن واشنطن زادت من تعريض مكانة الدولار للخطر من خلال منع إيران وكوريا الشمالية وروسيا من التداول به، وبالتالي من الوصول إلى النظام المالي الدولي.
وفي أعقاب الحرب الروسية على أوكرانيا عام 2022، قامت الولايات المتحدة بتجميد احتياطيات موسكو من النقد الأجنبي المحتفظ بها بالدولار.
وسواء كانت هذه الخطوة مبررة بانتهاك روسيا للقانون الدولي أم لا، فإنها بلا شك تركت البنوك المركزية الأخرى تتساءل عن ما إذا كانت أموالها المقومة بالدولار قد يتم حبسها إذا عارضت حكوماتها واشنطن.
التعامل بالدولاررويترز
تنبؤات كاذبة
ويرى الكاتب أن التوقعات بزوال الدولار كانت سببًا في تضخيم ضعف العملة إلى حد كبير، وهي الحقيقة التي تجلت بوضوح في قدرة الدولار على التحمل بشكل ملحوظ.
وحذر محللون لسنوات من أن الدولار سوف يخسر أمام العملات الأخرى، ومع ذلك لم يتمكن أيٌّ من هذه العملات من إزاحته.
وضرب الكاتب مثلًا على ذلك بعملة اليورو التي كان ينظر اليها على أنها منافس للدولار، وقال: "كانت منطقة اليورو منطقة اقتصادية تقف على قدم المساواة مع الولايات المتحدة من حيث حجم السوق الاقتصادية والمالية، وكان لديها بنك مركزي مستقل، وكان أعضاؤه يتبعون عمومًا سيادة القانون".
وأضاف أنه رغم أن حصة اليورو ارتفعت في احتياطيات النقد الأجنبي العالمية إلى 28%، بعد أن كانت 18% في عام 2000، وانخفاض حصة الدولار بمقدار مماثل، فإنه بحلول نهاية ذلك العام، توقف تقدم اليورو، حيث كانت الحكومات الأوروبية تفتقر إلى الإرادة السياسية اللازمة لتحويل اتحادها النقدي إلى اتحاد اقتصادي ومالي أوسع.
ووفق المقال، كشفت أزمة الديون في منطقة اليورو عام 2009 عن نقاط الضعف الاقتصادية والسياسية التي يعاني منها الاتحاد النقدي، حيث تآكلت حصة اليورو في احتياطيات النقد الأجنبي العالمية، وانخفضت الآن إلى أقل من 20%.
وأضاف الكاتب أن التكنولوجيا ربما تستطيع أن تفعل ما لا تستطيع الحكومات أن تفعله، ألا وهو تقويض قيمة الدولار، حيث ظهرت عملة البيتكوين والعملات المشفرة الأخرى كبديل تحرري للعملات الرسمية التي تصدرها وتديرها البنوك المركزية.
وتتبنى بعض الحكومات العملات الرقمية أيضًا، إذ تقوم الصين والهند واليابان بالفعل باختبار نسخ رقمية من عملاتها الرسمية، وهناك يورو رقمي في المستقبل القريب.
ويؤكد الكاتب أنه مع التقلب الشديد في قيمتها، ورسوم المعاملات المرتفعة، والقدرة المحدودة على التعامل مع كميات كبيرة من المعاملات، أثبتت عملة البيتكوين أنها سيئة للاستخدام بالنسبة للمدفوعات.
وختم الكاتب "ما زال المتشائمون بالدولار يعتقدون أنه على حافة الانخفاض، إلا أنه لا يوجد لدى الولايات المتحدة منافس جدي يمكنه مجاراة حجم سوقها الاقتصادية والمالية".