نواعير حماة.. دُرر نهر العاصي وملهمة الشعراء

محمد الرخا - دبي - الاثنين 17 يونيو 2024 11:21 مساءً - درّة نهر العاصي، والعلامة العريقة لمدينة حماة السورية. صنعها الآراميون منذ أكثر من ألفي عام. وسُميت بالنواعير؛ بسبب صوت "العنين" الصادر أثناء دورانها لانتشال الماء من النهر.

Advertisements

يعتبرها الباحثون "أروع نواعير في العالم"، صممها السوريون لنقل الماء من النهر إلى أحواض علوية، ومن ثم إلى أقنية محمولة على قناطر، توصل الماء إلى البساتين وتروي المنازل.

نواعير حماةالخليج الان

أدرجت نواعير حماة على قائمة التراث العالمي عام 1999. ونظراً لقدمها، أصبحت جزءاً من هوية المكان والناس، تغنى بها الشعراء ورسمها الفنانون عبر العصور، واستخدم صوتها كرمز للجهد والتفاني من أجل الآخرين.

قال عنها المؤرخ أبو الفداء: "حماة من الشام، مدينة أزلية وهي من أنزه البلاد الشامية.. وبها نواعير على العاصي تسقي أكثر بساتينها ويدخل منها الماء إلى كثير من الدور".

نواعير حماةالخليج الان

كان عدد النواعير في مدينة حماة والأراضي التابعة لها 105 نواعير، ولم يبقَ منها سوى 40 ناعورة تعمل، 19 منها داخل المدينة، والباقيات توزعن على مجرى نهر العاصي في الريف.

عُثر على النواعير في آثار ما قبل الميلاد، وكان أبرزها لوحة فسيفساء ضخمة اكتشفت في مدينة أفاميا التاريخية، القريبة من حماة، ويعود تاريخها للقرن الرابع قبل الميلاد.

تستقبل حماة سنوياً أعداداً كبيرة من الزوار؛ للتمتع برؤية دوران النواعير المستمر من أعماق التاريخ، والإصغاء لصوتها الذي لم يتوقف، كأنه يحكي قصصاً لا تنتهي من الذكريات والأحداث.

ما هي الناعورة؟

الناعورة دولاب خشبي ضخم، يصل حجمها إلى 25 متراً، مصنوعة من خشب الجوز، تدور على محور يرتكز على قواعد خشبية وقواعد حجرية قوية في قاع النهر.

وعند دورانها بقوة الماء، تغطس الناعورة في النهر، ثم ترتفع وقد امتلأت صناديقها بالماء، فتفرغه في قساطل قبل أن تهبط لتعيد الكرة من جديد. لجأ إليها الناس منذ القدم؛ بسبب انخفاض مجرى نهر العاصي عن الحوض، لمسافة تصل أحيانا إلى 70 متراً.

تدور الناعورة دورة كاملة كل عشرين ثانية، ترفع خلالها قرابة 2400 لتر من الماء. وتتألف الناعورة من القلب، مركز الدائرة، و"الكتف"، و"الصر، و"الأعتاب"، و"الوشاحات" و"القيود"، و"الأطابيع" و"الرادين"، و"الأسافين" و"قبون"، و"القراعات"، و"الميازيب" وغيرها، وكل قطعة مصنوعة من خشب معين يتلاءم ومهمتها.

قيمة تاريخية وثقافية

وإثر اكتشاف المضخات الحديثة، خف الاعتماد على الناعورة، لكنها حافظت على رمزيتها ودلالاتها الكثيرة. حيث تحولت إلى رمز لمدينة حماة، التي لقبت بمدينة النواعير، إلى جانب مدينة أبي الفداء.

يقول أحمد عكيدي، في كتابه "حماة مدينة أبي الفداء"، إن نواعير حماة تنقسم إلى خمس مجموعات، وتحمل كل ناعورة اسماً خاصاً بها، وأشهرها: "الجسرية" و"المأمورية"، و"المؤيدية" و"العثمانية"، و"الطوافرة"، و"الكيلانية".

نواعير حماةالخليج الان

تتميز حماة عن بقية المدن بخصوصياتها الجمالية؛ فنهر العاصي يقسمها نصفين، كما تزينها النواعير الفريدة على جانبي الضفة، كأنها قطعة من الفردوس، جعلت أبناءها يبدعون في الفنون.

ويروي راشد الكيلاني في كتابه "حماة تاريخ وحضارة"، أن محمد كرد علي، مؤسس مجمع اللغة العربية، قال لأحمد شوقي، خلال زيارتهما حماة عام 1938: "إن نصف حماة شعراء"، وبعد أن تجولا فيها، قال له شوقي: "العجيب ألا يكون النصف الآخر من أهل حماة شعراء!".

ويكثر ذكر النواعير في الأغنيات الشعبية، كما يطرب لصوتها الناس، ويحنون لسماعه إذا ما غابوا عن المدينة، وتعتبر أغنية "سمعت عنين الناعورة" من الأغنيات الشهيرة، التي يرددها الناس في المناسبات حتى اليوم.

وعندما زارها الشاعر أحمد وصفي زكريا، قال فيها:

هذي حماةُ مدينةٌ سحريّةٌ

وأنا امرؤ بجمالها مسحورُ

يا ليت شعري ما أقول بوصفها

وحماة شعرٌ كلّها وشعورُ