ترميم آثار سوريا.. مسؤولية تراثية وتكاليف اقتصادية

محمد الرخا - دبي - الأربعاء 5 يونيو 2024 02:35 مساءً - لم تكد المباني التاريخية في سوريا، تلتقط أنفاسها من الحرب، حتى جاء الزلزال المدمر عام 2023، ليزيد أعباء عمليات الترميم؛ فالمباني الناجية من القصف، تضررت بالهزة الأرضية، وكان أشدها في مدينة حلب التاريخية.

Advertisements

وقبل الحرب عام 2011، كان الترميم يتركز على قلعة حلب وقلعة صلاح الدين في اللاذقية وقلعة مصياف. لكن مع بداية المعارك، تحولت مدينة حلب القديمة لخراب، وبات معظم مبانيها بحاجة للترميم.

خبرات كبيرة وميزانيات ضخمة

يعد ترميم المباني التاريخية، من أصعب المهمات، نظرًا لما يتطلبه من خبراء مختصين بنمط العمارة في كل حقبة، بحيث يضعون المخططات ويشرفون على تنفيذها، حتى تكون الأبنية المرممة مطابقة للأصلية.

ويقول الباحث التاريخي الدكتور عبد الوهاب أبو صالح، لـ"الخليج الان": "يحتاج ترميم الأبنية التاريخية، إلى اختصاصيين يعرفون طبيعة المواد وأسلوب العمارة المستخدم في كل عصر. خاصة إذا كانت أضرار المبنى كبيرة ويحتاج إلى إعادة بناء في بعض الأماكن".

ومنذ أن استعادت الدولة السورية، السيطرة على مدينة حلب عام 2016، بدأت أعمال الترميم بالتعاون بين مؤسسة الآغا خان العالمية للثقافة، والأمانة السورية للتنمية، ومحافظة حلب والمنظمات الأهلية.

وتقول شبكة الآغا خان، الحاصلة على جائزة "إيكروم – الشارقة" تقديرًا لجهودها في حماية التراث الثقافي المادي وإحيائه في العالم العربي، إن 36 سوقًا تاريخيًّا في حلب، تعرض للتدمير بنسب مختلفة، بين عامي 2012 و 2016.

وقبل بدء عمليات الترميم في حلب القديمة عام 2017، شكلت الحكومة "اللجنة الوطنية التوجيهية العليا لترميم المدينة"، وتم استنفار فرق الآثار والخبراء من مديرية الآثار، مع الخبراء العالميين الذين استقدمتهم شبكة الآغا خان لإنجاز المهمة.

وتقدّر مديرية آثار حلب، عدد الأسواق والمباني التاريخية التي دمرت في الحرب، بالآلاف؛ ما جعل مهمات الترميم صعبة، نظرًا لما تتطلبه من كوادر ضخمة وميزانيات، تسهّل إنجاز العمل بشكل صحيح.

ووفرت شبكة الآغا خان، والحكومة السورية والمنظمات الأهلية، الميزانية المطلوبة للترميم، لكن لم يتم الإعلان عن المبلغ بشكل رسمي، ويقدر المختصون أن تصل التكاليف إلى مئات الملايين من الدولارات.

ترميم الجامع الأموي والأسواق القديمة

أصاب الجامع الأموي في حلب، قسط كبير من الخراب خلال الحرب. فتهدمت جدرانه وقببه وتضررت مآذنه. لكن فرق العمل، أنجزت قرابة 90% من أعمال الترميم. ويقول صخر علبي، مدير مشروع الترميم، لـ"الخليج الان": "إن الترميم قطع أشواطًا كبيرة، في أروقة الجامع الشرقية والشمالية والغربية والحجازية، إضافة للمنبر والساحة الخارجية، والمكتبة الوقفية".

الجامع الأموي في حلبمواقع التواصل

سوق السقطية

ويضيف علبي: "أعمال الترميم مستمرة في الجامع إلى جانب المكتبة الوقفية التي تمتد على مساحة 3000 متر مربع تقريبًا، وتجري إزالة البنى المتهدمة، وتسوية المنسوب الذي أوصت به الدراسة، وتنفيذ الجدران الداعمة للأطراف".

ويعود بناء الجامع الأموي في حلب، إلى القرن الثامن الميلادي، وقد دمِّرت مئذنته خلال المعارك عام 2012.

ومن الأسواق التي تم افتتاحها بعد انتهاء الترميم، "سوق السقطية" جنوب المسجد الأموي، ويعود تاريخه إلى القرن الرابع قبل الميلاد، ويضم أكثر من 53 محلًا تجاريًّا ويعد المركز الأساس لأسواق مدينة حلب القديمة.

كما تم ترميم أسواق: "خان الحرير" و"الأحمدية"، و"الحبال"، و"ساحة الفستق". وتقول مديرية آثار حلب إن طول أسواق حلب يبلغ أكثر من 15 كيلومترًا، ومساحتها 16 هكتارًا.

ويضيف الدكتور أبو صالح: "الخطأ البسيط في الترميم يغير في هوية البناء. فلكل عصر أسلوب هندسي معين لا بدَّ من الالتزام به، وتلك مهمة تتطلب خبرات معرفية في الهندسة المتبعة في عمارة البناء تاريخيًّا".

وسبق لمنظمة اليونسكو، أن أدرجت حلب على قائمة التراث العالمي عام 1986، ويقدر علماء التاريخ عمرها بـ12 ألف عام، وتضم أوابدها آثارًا من جميع الحقب، بدءًا من حضارات ما قبل الميلاد، حتى اليوم.