محمد الرخا - دبي - السبت 1 يونيو 2024 12:03 مساءً - مدينة البهجة التي تجعل من السعادة خبزا يوميا، استلهمت اسمها من الطبيعة النهرية للبلاد، تعد زائريها بتجربة استثنائية وأبدًا لا تخلف وعدها. تمشي في شوارعها وتتأمل الطرز المعمارية الفريدة لمساجدها ومعابدها فتعرف أن الحداثة والعراقة يجتمعان هنا بشكل استثنائي.
التعايش بين الثقافات المختلفة والأديان المتابينة ليس خيارا، بل ضرورة وجودية ترقى إلى مستوى دستور غير مكتوب صدّقت عليه التجربة الحياتية بين قوميات شتى تنحدر من الملايو والصين والهند.
تلك هي كوالالمبور، عاصمة ماليزيا وأكبر مدنها وأنشودة آسيا الجميلة، يعني اسمها "ملتقى النهرين" في إشارة إلى نشأتها في القرن التاسع عشر بالمنطقة الواقعة بين ملتقى نهر "جومباك" مع نهر "كلانج".
منجم صنع مدينة
ترجح روايات تاريخية عديدة أن السطر الأول في قصة تأسيس المدينة يعود إلى عام 1857 حين تم استقدام ما يقرب من مئة من العمال الصينيين إلى المكان، الذي كان عبارة عن قرى طينية موحلة على ضفاف الأنهار للعمل في منجم للقصدير. كانت الظروف المعيشية قاسية من حيث الأوبئة والفيضانات والحرائق، مع شبه انعدام لمعايير الأمان والسلامة؛ ما نتج عنه موت العشرات من العمال.
ورغم تلك العوامل المحبطة، نجحت التجربة وازدهر المنجم وتوافد العمال إليه من كل حدب وصوب، ليصبح بؤرة عمرانية وسكانية توسعت لاحقا لتضم عائلات؛ ما نتج عنه حاجة متزايدة للمؤن والأطعمة والملابس وغيرها من ضرورات الحياة. هنا ظهرت فرصة عظيمة للتجارة، وتوافدت قوافل القوارب النهرية محملة بالبضائع من كل صنف ولون، لتبدأ النواة الأولى للمدينة في التشكل.
تطورت كوالالمبور بسرعة فائقة لتتحول من مجرد "مجلس بلدي" عام 1898 إلى عاصمة الاتحاد الماليزي 1957، وتصبح حاليا مركزا يعد من أقوى اقتصادات العالم، ومقرا للشركات متعددة الجنسيات والفنادق والمنتجعات العالمية. أصبحت المدينة كذلك عنوانا للنهضة والعولمة، من خلال ناطحات السحاب الشهيرة مثل برجي "بتروناس التوأم" بارتفاعهما الشاهق الذي يبلغ 452 متراً، حيث ظلا أطول برجين في العالم منذ 1998 حتى 2004.
رقصات وأعراق
ويعد الرقص عنوانا للبهجة في المدينة، ودليلا على الثراء الثقافي لمكونات شعبها؛ ما يعكس موروثا حضاريا متعدد المنابع، فهناك رقصة "الزابين" التي تشتهر بها الغالبية المالاوية المسلمة وتنحدر من التاريخ العربي، وكذلك رقصة "كودا كيبانج"، التي تستخدم فيها مجسمات السيوف والأحصنة لتعكس انتصارات تاريخية للعرب والمسلمين.
ويشتهر الماليزيون من أصول هندية برقصة "بهارتاناتيام" التي تعكس مفاهيم وأساطير هندية، وهي رقصة أحادية كلاسيكية تحتاج إلى سنوات من التدريب لإتقانها، أما القادمون من ولاية "البنجاب" فلديهم رقصات أكثر مرحًا تعتمد على الموسيقى الصاخبة والأداء التلقائي والحركة القوية باليدين والقدمين على نحو يشبه رقصة "الدبكة" في نسختها العربية.
وتملك العرقية الصينية كذلك تراثها الخاص في الرقص والذي يعتمد على تقديم الكثير من الإبداعات التي تعتمد على الأداء الجماعي مثل الرقص بالمراوح أو السيوف، وحركة الأيادي في انسجام بالغ بين أفراد المجموعة لتكوين لوحات فنية خلابة. أما رقصات "الأسد والتنين" فتقتصر على الرجال وتحتاج إلى مهارات خاصة.
معالم سياحية
وتتعدد المزارات والمعالم ذات الشهرة الكبيرة التي تجعل من كوالالمبور وجهة سياحية دولية مثل "المسجد الوطني" أو "مسجد نيجارا"، الذي بني عام 1965 للاحتفال باستقلال ماليزيا وهو تحفة معمارية تجمع بين الجمال والروحانيات وتسع 15 ألف مصل. وهناك كذلك "مبنى السلطان عبد الصمد"، الذي بني أواخر القرن التاسع عشر بتصميمه الإسباني الفريد وبرج الساعة الشهير، وأيضا "برج منارة كوالالمبور"، الذي يعد رابع أعلى برج اتصالات في العالم، فضلا عن المتحف الوطني و"حديقة الفراشات" ومحمية "بوكيت ناناس".