هل يعود ملوك وأثرياء العالم لارتداء "البروكار الدمشقي" من جديد؟

محمد الرخا - دبي - السبت 25 مايو 2024 07:06 مساءً - تشهد سوريا، عودة متسارعة لتربية دودة القزّ المنتجة لخيوط الحرير، بعد أن تضررت تلك الصناعة كثيراً بسبب الحرب والهجرة والظروف الاقتصادية الصعبة.

Advertisements

واشتهرت دمشق تاريخيًا، بالبروكار الدمشقي، المصنوع من خيوط الحرير والذهب والفضة. وحرص ملوك العالم وأغنياؤه، على ارتداء البروكار في المناسبات، كدليل على الفخامة والمكانة المرتفعة.

وتعود صناعة الحرير في سوريا، إلى القرن الميلادي الأول، واشتهر أيام الملكة زنوبيا في تدمر. ومع الوقت تصدرت سوريا بلدان العالم في إنتاج وصناعة الحرير.

 وتعتبر الملكة البريطانية إليزابيت الثانية من أشهر عشاق البروكار الدمشقي، وبناءً على طلبها، أرسل القصر الملكي طلبًا إلى السفارة السورية في لندن، للحصول على القماش الدمشقي ليتم تصميم ثوب زفاف الملكة. وعندما ارتدته في الحفل العام 1947، خطفت الأنظار بجماله المطرز.

عودة صناعة الحرير

وتعرضت صناعة الحرير في سوريا، إلى عدة كبوات جعلتها تتراجع، منها الحروب المحلية والعالمية، والأزمات الاقتصادية، واحتكار الحكومة لصناعته منذ العام 1963، إضافة إلى ظهور الحرير الصناعي.

ورغم اختفاء دودة القز السورية، وتعرضها إلى شبه انقراض، إلا أن الحكومة تعمل اليوم على استيراد البيوض من الهند، وتشجع المربين عبر القروض المالية، بهدف إعادة الحرير المحلي إلى السوق العالمية.

ويقول رئيس غرفة زراعة دمشق محمد جنن، لـ"الخليج الان": "استوردنا 100علبة بيض من دودة الحرير، وتم تقديمها بسعر رمزي وتشجيعي للمربين، وتحوي كل علبة 30 ألف بيضة".

ويضيف جنن، بأن المواسم المقبلة، ستشهد زيادة في استيراد السلالات المحسنة من دودة القزّ، بهدف انتاج الحرير الأبيض والأصفر.

ورغم وجود العديد من الصعوبات أمام إعادة الحرير السوري إلى واجهة الأسواق العالمية، إلا أن تجذّر تلك الصناعة في الأرياف، وخبرات العائلات المتوارثة، يمكن أن يؤدي لانتعاش الحرير خلال مدة قصيرة.

وتتوزع مراكز تربية دودة القز، في مدن: حمص، وحماة، واللاذقية، وطرطوس. وتعمل وزارة الزراعة على تقديم الاستشارات والخبرات للمربين الجدد، ويأمل الجميع باسترجاع مجد الحرير السوري، كقماش مفضل للملوك والأثرياء.

الحرير الدمشقي

نظرة تاريخية

وتقول الكاتبة مايا الشامي، في كتابها "الحرير السوري.. صورة لإرث ثقافي حي": "أُصبتُ بالذهول عندما تعرفت إلى عائلةٍ في جبال سوريا الغربية، لاتزال تبدع شالاتٍ جميلة من الحرير منذ أكثر من أربعة أجيال إلى اليوم. إنها صناعة تراثية لابد من الحفاظ عليها".

وتضيف الشامي: "صناعة الحرير تنقسم لعدة حرف، فالشرانق تحتاج لصنع الخيط الحريري، ويحتاج الخيط لنسج القماش. ويبيع النساجون الأقمشة مباشرة، أو يرسلونها للصباغة. وأحيانًا تُصبغ الخيوط أولاً.. هذه العمليات منفصلة، ولكل منها أهلها من حِرَفيّات وحرفيين".

وتبعًا للشامي، كان هناك 16 قرية سورية تربي دود القز قبل الأزمة في البلاد. وكان حجم الإنتاج طَنَّيْن من الشرانق، مقارنةً بـ 360 طنًا العام 1970. وتنخرط الأسرة بكاملها في العمل الموسميّ المكثّف، فالديدان حساسةٌ للغاية وتتأثر سلبًا بالمبيدات.

وتضيف الشامي: "بالتوازي مع أنشطة تربية دودة القز المتركزة في القرى، يُنتج الحرفيّون في المدن كدمشق، أقمشة البروكار الفريدة مستخدمين الخيوط المعدنية وخيوط الحرير، ويستعينون بتصاميم عمرها قرون من الزمن".

 وتنفرد كل مدينة سورية، بميزة في صناعة الحرير، وتضيف مايا: "يبتكر صباغو حلب مربعاتٍ حريريةً مزركشةً بأشكال مجردة متناظرة بالأبيض والأحمر والأسود. وفي حمص وحماة، يبدع النساجون الأقمشة المخططة التقليدية. وتُنتج الحرفيّات فساتين يستغرق صنعها أيامًا، يصبغنها بطريقة الضم والربط المدعوة بالـ"مصَرْصَرْ".

ولا يستغرب العابر من جوار "باب شرقي" بدمشق، أن يقرأ على مدخل أحد الأبنية عبارة: "معمل نسيج أنطون إلياس مزنر، تأسس العام 1890"، فالشام القديمة تحتضن تاريخًا طويلاً من نسج الحرير.

صناعة الحرير.. تقاوم!

وتعد مدينة الدريكيش، من المدن السورية الشهيرة بصناعة الحرير. لكن معملها الشهير متوقف عن العمل منذ العام 2009، رغم إعلان الحكومة العام 2017، عن خطة من 3 مراحل تهدف إلى إعادته للإنتاج.

وبدأ آخر تدهور بصناعة الحرير، في بداية التسعينيات، بسبب انخفاض الجدوى الاقتصادية، وارتفاع تكاليف تربية دود القز بشكل فاق ثمن الشرانق. إضافة إلى التوجه لاستيراد الحرير الصناعي.

ويقول المهندس الزراعي علي إسماعيل، لـ"الخليج الان": "صعوبات تربية دود القز تتلخص في توفير أوراق التوت بالوقت المناسب. والمعاناة في سرعة التسويق، حيث يجب أن يتم البيع خلال 10 أيام قبل أن يخرب الإنتاج".

وتقول وزارة الزراعة، إنها وزعت أكثر من 150 ألف غرسة من أشجار التوت بسعر رمزي على المربين. إضافة إلى الدعم بالخبرات والمعدات بشكل مجاني تقريبًا. وينتظر أن تؤتي تلك المنح ثمارها في إعادة الحرير السوري إلى الواجهة العالمية قريبًا.