"أكفان".. تشويق وخيال علمي بتوقيع "بارون الرعب"

محمد الرخا - دبي - الأربعاء 22 مايو 2024 01:06 مساءً - "شيء واحد مؤكد في مسيرتي المهنية هو أنني لا أقدم سينما مملة. لم أفعل يوما ولن أفعل". بهذا اليقين الواثق الذي يبدو كأنه "شهادة ضمان" إلى من يهمه الأمر، يشرح المخرج ديفيد كروننبرغ فلسفته في صناعة السينما سواء فيما يتعلق بمسيرته الحافلة أو فيلمه الجديد "أكفان"، لذي يُعرض ضمن "المسابقة الدولية" في الدورة الـ77 الحالية من مهرجان كان.

Advertisements

ويأتي الفيلم في السياق المفضل، الذي يثير شغف الكندي المخضرم صاحب الواحد والثمانين عاما، والملقب بـ"بارون الرعب" وهو الذهاب إلى مناطق مظلمة في النفس الإنسانية تعزف على المخاوف الدفينة من الموت والأشباح والظلام مع اهتمام فائق بالجسد الإنساني ومصيره وتحولاته، وكيف يمكن أن يكون ينبوعا للذة والسعادة أو مستنقع للألم وأنشودة حزينة للشيخوخة والعذاب.

في أحداث العمل، يفقد رجل أعمال ناجح ووسيم رفيقة دربه وزوجته فيصاب بلعنة الفقد في واحدة من أبشع تجلياتها. لقد كان مغرما بها، يعشق ضحكتها ويذوب غرامًا في تفاصيلها الشخصية، وعلى عكس معظم الأزواج، كان يبدي صبًرا كبيًرا وهي تجرّب عدة فساتين في "بروفات" المحلات الراقية وتنطق عيناه بالحب قبل لسانه.

يستولي عليه هاجس الرغبة في التواصل معها بأي شكل، فيخترع وسيلة تكنولوجية توصف بـ"الثورية" تجعل التواصل مع الميت في كفنه ممكنة. تتحول القبور من مكان موحش مخيف إلى شيء مختلف يضيئه الأمل، لكن المفارقة أن تلك القبور في نسختها الجديدة تتعرّض لتخريب متعمد، فينطلق الزوج العاشق في رحلة قاسية للبحث عن الجناة.

يمكن فهم ملامح "الاستراتيجية الفنية" التي يتبعها "كروننبرج" والتي تستهدف أولا وقبل كل شيء إبقاء المتفرج مشدودًا إلى الشريط السينمائي ضمن حالة تمزج الخوف بالتشويق والمتعة بالترقب. ولتحقيق ذلك الهدف يراهن المخرج على "الطابع الغرائبي" للقصة المستمد غالبا من الخيال العلمي أو يدور في أجواء واقعية، لكن غرابة أطوار الشخصيات وتصرفاتها التي لا تخضع لأي منطق وتتجاوز كل توقع، تجعل العمل لا يختلف كثيرًا عن أفلام العبث والفانتازيا.

لكن ما الذي يجعل ديفيد كروننبرج ضيفا شبه دائم على مهرجان "كان"، فضلا عن غيره من المهرجانات المرموقة عالميا، ويطمح في حصد "السعفة الذهبية"؟ الإجابة تتلخص في كلمة واحدة: العمق. لا يكتفي المخرج الثمانيني بصنع شريط مشوق أو بناء حبكة رعب مدعومة بمؤثرات صوتية وبصرية مخيفة، إنه يضع كل ذلك على خلفية من الأسئلة الخالدة ذات الطابع الفلسفي التي تتعلق بأشهر الثنائيات التي شغلت الإنسان منذ فجر التاريخ مثل الجسد / الروح، اللذة / الألم، الحياة / الموت، القسوة / الحنان.