علاقة وطيدة بين صحة القلب والصحة العقلية

محمد الرخا - دبي - الجمعة 17 مايو 2024 05:17 مساءً - تم الاعتراف منذ فترة طويلة بالتفاعل المعقد بين الدماغ والقلب، حيث يتسبب التوتر والقلق في تسارع ضربات القلب، وفي الحالات القصوى، محاكاة النوبات القلبية. ومع ذلك، تكشف الأبحاث الناشئة أن القلب يرسل أيضًا إشارات قوية إلى الدماغ، مما يؤثر في التصورات والقرارات والصحة العقلية.

Advertisements

وفي تقرير نشره موقع Science News، يؤكد عالم الأعصاب بيتر ستريك من جامعة بيتسبرغ الأمريكية على تعقيدات التفاعلات بين الدماغ والجسم، مشيرًا إلى أن فهمنا لهذه العلاقات لا يزال في مراحله الأولى. وأكد أن هذا المنظور الشامل للجسم، والمعروف باسم "الإدراك الداخلي"، هو مجال مزدهر قد يقدم علاجات جديدة لاضطرابات مثل القلق.

إن سيطرة الدماغ على القلب موثقة جيدًا، حيث تؤثر مناطق مثل القشرة الشمية الداخلية المشاركة في الذاكرة والملاحة أيضًا على معدل ضربات القلب. ومع ذلك، يكتشف العلماء الآن أن القلب يمكن أن يقوم بالمثل، مما يؤثر في وظائف المخ وسلوكه، إذ تؤدي كل نبضة قلب إلى رد فعل عصبي يُعرف باسم الاستجابة التي تثيرها نبضات القلب، والتي يمكن أن تغير تصوراتنا وأفعالنا.

وفي دراسة أجرتها عالمة الأعصاب الإدراكية كاترين تالون-بودري، طُلب من 17 مشاركًا اكتشاف خطوط رمادية باهتة حول نقطة حمراء. وأظهرت النتائج أنه عندما كانت استجابة الدماغ لنبضات القلب أقوى، كان المشاركون أكثر عرضة لرؤية الخطوط. ويشير هذا إلى أن معالجة الدماغ للإشارات الداخلية يمكن أن تزيد من حدة الإدراك الحسي.

كما أشارت الأبحاث إلى أن القلب يؤثر في الذاكرة، فقد وجدت عالمة الأعصاب سارة جارفينكل وفريقها أن المشاركين في بحثها كانوا أكثر عرضة لنسيان الكلمات المقدمة خلال مرحلة انقباض القلب. وتشير هذه النتيجة إلى دور القلب في الوظائف الإدراكية.

مزيد من الأفكار تأتي من الدراسات التي تستخدم علم البصريات الوراثي، وهي تقنية تتحكم في سلوك الخلايا العصبية بالضوء. وقد استخدم المهندس الحيوي ريتشي تشين وفريقه في جامعة كاليفورنيا بسان فرانسيسكو هذه الطريقة للتحكم بدقة في نبضات قلب الفئران. واكتشفوا أن ضربات القلب السريعة المستحثة بشكل مصطنع جعلت الفئران أكثر قلقا في مواقف معينة، مثل التعرض لمخاطر محتملة. وارتبط هذا القلق بالجزيرة، وهي منطقة في الدماغ تشارك في العواطف والأحاسيس الداخلية، فعندما تم تثبيط نشاط الجزيرة، تضاءلت الاستجابة للقلق، مما يؤكد دور الجزيرة في معالجة إشارات القلب.

ويمكن أن يؤدي فهم الاعتراض الداخلي إلى علاجات مبتكرة لاضطرابات الصحة العقلية، حيث استكشف بحث أجراه جارفينكل في جامعة كوليدج لندن كيف أن تدريب الأشخاص على استشعار نبضات قلوبهم بشكل أفضل يمكن أن يقلل من القلق. وقد وجد البحث أن الأشخاص المصابين بالتوحد أبلغوا عن قدر أقل من القلق بعد هذا التدريب. وقد تضمنت الطريقة قيام المشاركين بمقارنة نبضات خارجية ثابتة مع نبضات قلوبهم الداخلية على مدى عدة جلسات، مما أدى إلى تحسين دقتها وتقليل القلق.

تمتد آثار الاعتراض إلى ما هو أبعد من علاج القلق، إذ تقترح تالون-بودري أن إشارات الجسم الداخلية قد تساهم في الوعي. ويشير بحثها إلى أن الاستجابات التي تثيرها نبضات القلب يمكن أن تتنبأ بلحظات عابرة من الوعي لدى الأفراد الذين يبدون فاقدين للوعي تمامًا.

إن استخدام ستريك المبتكر لفيروس داء الكلب لتتبع الدوائر العصبية قد وفر رؤى جديدة حول اتصالات الدماغ والجسم. وقد كشف عمله الأولي مع القلب لدى القرود عن روابط مفاجئة بين القلب ومناطق معينة في الدماغ، على الرغم من أن هناك حاجة إلى مزيد من الأبحاث لتأكيد هذه النتائج.

علاوة على ذلك، أظهر عمل عالمة الأعصاب فيرونيكا إيجر على الخلايا العصبية البصلية الشمية أن هذه الخلايا يمكنها استشعار تغيرات ضغط الدم بشكل مباشر؛ مما يشير إلى وجود مسار سريع للدماغ لمراقبة الحالة الداخلية للجسم. ويمكن أن يكون لهذا الاكتشاف آثار مهمة لفهم كيفية دمج الدماغ للمعلومات الداخلية والخارجية.

إن العلاقة الديناميكية بين القلب والدماغ أكثر تعقيدًا بكثير مما كان مفهومًا سابقًا. ومع استمرار العلماء في كشف هذه الروابط، فإن مجال الاعتراض يحمل وعدًا لتطوير علاجات جديدة لاضطرابات الصحة العقلية وتعميق فهمنا للوعي البشري.