محمد الرخا - دبي - الاثنين 13 مايو 2024 01:06 مساءً - يشكل الانتحار لغزا مأساويا في حياة المخرج السويدي من أصول جزائرية مالك بن جلول، فقد صنع مجده من خلال فيلم تسجيلي حاز الأوسكار يتناول مسيرة فنان مرهف الحس تعرض لضغوط هائلة وكان قاب قوسين أو أدنى من إنهاء حياته، لكنه قاوم وعانى حتى حقق نجاحا مبهرا.
وتتمثل المفارقة الحزينة أن "مالك" نفسه، في مقتبل عمره وشبابه، وسط مسيرة مهنية واعدة وحياة مرفهة ووسامة لافتة، هو من ألقى بنفسه فجأة ودون مقدمات تحت عجلات القطار، ليرحل عن 36 عاما في مثل هذا اليوم 13 مايو عام 2014.
كان الخبر صادما ومروعا، فقبل عام واحد فقط عانقت الدنيا الشاب الأنيق الذي يشع موهبة وحساسية وذكاء، صاحب الملامح الوديعة المريحة، وبدا كل شيء ممكنا وما عليه سوى أن يمد يده ويقطف نجوم المجد من سماء النجاح.
"لا يحب الشهرة"
وحصد بن جلول في 2013 جائزة الأوسكار عن فيلمه "البحث عن رجل السكر" Searching for Sugar Man، كما حصد جائزة "البافتا" في العام نفسه، فأي ظلمة حالكة ليأس عنيف جعلته يقف في ساعة متأخرة بعد الظهر على رصيف محطة "سولنا سنتروم" في العاصمة استكهولم منتظرا قطار الخط الأزرق في ساعة الذروة، وسط جداريات ومنحوتات وفسيفساء تجعل من المحطة معرضا فنيا، لينهي حياته بهذه الطريقة البشعة؟
أخبار ذات صلة
حقيقة انتحار داني ألفيس داخل سجنه في برشلونة
المعلومات المتاحة حول مالك بن جلول شحيحة للغاية، فلم يكن يحب الشهرة أو يجيد الحديث لوسائل الإعلام، كما كان خجولا وانطوائيا إلى حد ما. والده طبيب جزائري مهاجر هو "حسين بن جلول" وأمه مترجمة وفنانة تشكيلية اسمها "فرونيكا شيلدت".
تخرج مالك من جامعة "لينيوس" حيث درس الصحافة والانتاج الإعلامي، وظهر كممثل في حلقة واحدة من مسلسل سويدي بعنوان "إيبا وديريك" ثم بدأ خطواته الأولى كسينارست ومخرج أفلام وثائقية بداية عام 2002.
"البحث عن رجل السكر"
ويتناول فيلمه "البحث عن رجل السكر" مفارقات درامية في حياة المطرب ومؤلف الأغاني الأمريكي من أصل مكسيكي "سيكستو رودريجيز" الذي حلم بالمجد والشهرة حين أطلق ألبومه الأول "حقيقة باردة "عام 1970، لكنه لم يبع شيئا يذكر، ثم قدم ألبوما آخر بعنوان "قادم من أرض الواقع" وكان الفشل الذريع نصيبه أيضا. قيل إنه حاول الانتحار مرة بإشعال النار في نفسه، وأخرى بإطلاق النار على رأسه، لكن المؤكد أنه ظل 30 عاما يعمل في مهن بسيطة في مجال البناء ونقل الأثاث بمسقط رأسه في ديترويت الأمريكية.
بوستر فيلم "البحث عن رجل السكر"متداولة
والتقط مالك بن جلول تلك المفارقة في حياة المطرب الموهوب الذي لا يعلم أن أغنياته حققت نجاحا هائلا في جنوب أفريقيا، وأنهم يعتبرونه هناك "سوبر ستار"، فصنع فيلما عنه يحكي قصة حياته ويستعرض تميزه الفني.
وتبلغ دراما الحياة ذروتها حين يصل نبأ الانتحار إلى سيكستو رودريجز نفسه وهو يحيي حفلا داخل أمريكا بعدما منحه الفيلم شهرة مدوية، فيبكي ويذرف الدموع على رجل منحه الحياة ثم حرمها على نفسه.
وبعد وفاته، صرح شقيقه لصحيفة محلية قائلا " كان مالك يُعاني من اكتئاب لفترة قصيرة، ولكن سيبقى السؤال الجاثم على صدري للأبد دون إجابة هو: لماذا فعلها؟".
إنه السؤال واللغز، وعلامة الاستفهام المعذبة، في حياة غريبة؛ إذ الإجابة تنام مع صاحبها في القبر.