غزيون في مناطق "الهدوء النسبي": لا يمكن التأقلم مع واقع الحرب

محمد الرخا - دبي - الجمعة 10 مايو 2024 11:17 صباحاً - تتباين أشكال المعاناة في قطاع غزة، ويسيطر "هدوء نسبي" في بعض المناطق التي لم تشهد عملية عسكرية مباشرة. ورغم ذلك يؤكد الأهالي والنازحون أن "التأقلم" مع الحرب غير ممكن في ظل تفاصيل "لاإنسانية" للحياة اليومية.

Advertisements

يأتي ذلك مع مرور أكثر من سبعة أشهر على اندلاع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، التي راح ضحيتها زهاء 35 ألف قتيل وأكثر من 150 ألف جريح بالإضافة إلى ما يزيد على 10 آلاف مفقود ما زالوا تحت الأنقاض.

ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد الذي وصفته منظمات أممية بـ "الإبادة الجماعية" بل تعدى ذلك إلى تدمير قرابة 65٪ من مباني ومنشآت قطاع غزة التي ستحتاج إلى عشرات السنين من أجل العودة إلى ما قبل السابع من أكتوبر، بحسب تقرير لمنظمة الأمم المتحدة.

ويعيش الغزّيون مع كل هذا الدمار والنزوح حياة قاسية جدًا يملؤها الجوع وانعدام الأمن والنظافة، ما تسبب بانتشار الأوبئة والأمراض بين مئات آلاف النازحين في الخيام الذين يعيشون ظروفًا لا إنسانية.

وشملت العمليات العسكرية الإسرائيلية التي أحدثت دمارًا هائلًا في المناطق المستهدفة توقف الحياة بالكامل في تلك المناطق، عوضًا عن تعرض من تبقى هناك لمجازر الإبادة الجماعية والإعدام الميداني فضلًا عن سياسة التجويع ومنع العلاج.

في المقابل يقيم مئات آلاف النازحين في مناطق أخرى لم يتم إعلان عملية عسكرية فيها حتى الآن.

ورغم وجود فرص نسبية لـ"الحياة" للغزيين في هذه المناطق، فإن النازحين هنا يؤكدون أن الظروف القاسية تلاحقهم في تفاصيل معيشتهم اليومية.

معاناة يومية للحصول على مياه الشربرويترز

نزوح متكرر في قطاع غزة

المواطن محمود اللوح، وهو نازح من شمال غزة إلى مدينة رفح، يقول: "لا أدري كيف أصف ما مررت به منذ اليوم الأول للحرب الإسرائيلية، فأنا أسكن في بلدة بيت لاهيا شمال غزة وهي تعتبر منطقة حدودية مع إسرائيل لقيت نصيبها مع الأيام الأولى للحرب".

وأضاف اللوح في حديث لـ"الخليج الان": "لقد تعرضت للنزوح عدة مرات كان أولها في اليوم الثالث للحرب حيث كان القصف كثيفًا وعشوائيًا واضطر جميع سكان البلدة للنزوح الجماعي تجاه مراكز الإيواء في مخيم جباليا".

وتابع: "لا أعتقد أن هناك ما هو أقسى من حياة النزوح والتشرد، فبعد أن كان كل شخص له بيته الخاص وعائلته أصبحنا نعيش في خيمة في ظروف قاسية وغير إنسانية تفتقر إلى أدنى مقومات الحياة فضلًا عن فقدانها للخصوصية".

وأكمل اللوح بالقول: "مع اشتداد العملية العسكرية على شمال غزة نزحنا باتجاه مدينة رفح مباشرة، وهناك عشنا شهورا طويلة في النزوح والتنقل بين الخيام ومراكز الإيواء، ولكن مع عدم الإعلان الإسرائيلي عن عملية عسكرية كان قرابة 1.5 مليون نازح يتحركون بنوع من الأريحية".

وأوضح: "يبدو أننا مع طول فترة الهدوء النسبي شعرنا بنوع من التأقلم اللحظي مع الحياة الجديدة، ولكن سرعان ما يتبدد هذا التأقلم مع موقف يذكرك بأنك ما زلت تعيش الحرب بتفاصيلها القاسية".

كيف لي أن أتأقلم مع حياة أحتاج فيها للوقوف ساعتين في طابور لدخول الحمام

مريم الخطيب، نازحة في قطاع غزة

من جهتها قالت مريم الخطيب، وهي نازحة من مدينة خانيونس إلى مدينة دير البلح: "يتخيل المرء أحيانًا أنه تأقلم مع الحرب، ولكن في لحظة معينة يتضح أنك تعيش حروبًا أقسى من الحرب العسكرية، حروبا مع غلاء الأسعار، ومع الخيمة، ومع تفاصيل الحياة الجديدة غير الآدمية".

وأكملت الخطيب في حديث لـ"الخليج الان": "لقد بدأت رحلة النزوح مع إعلان الجيش الإسرائيلي عن بدء عملية عسكرية على خانيونس مطلع شهر ديسمبر/ كانون الأول الماضي، ومنذ ذلك اليوم وأنا داخل خيمة في مركز الإيواء لم أتأقلم فيها لحظة واحدة مع هذه الحياة الرديئة".

وتابعت: "الهدوء النسبي أصبح يقاس في المدينة التي تسكنها بعدم تعرضها لعملية عسكرية برية مع الإبقاء على القصف الجوي والمدفعي مستمرًا والذي يودي بحياة عشرات المدنيين بشكل يومي".

وتساءلت الخطيب: "كيف لي أن أتأقلم مع حياة أحتاج فيها للوقوف ساعتين في طابور لدخول الحمام، أو أربع ساعات للحصول على بعض أرغفة الخبز، أو غرق الخيمة بمياه الأمطار، أو غرقنا بالعرق في أيام الصيف الحارقة.. كل هذه التفاصيل تدفعني بالتأكيد إلى عدم التأقلم".

وأوضحت: "لقد ذهبت برفقة بعض أبنائي إلى خانيونس بعد أن انسحب منها الجيش الإسرائيلي، وضعنا في تلك الشوارع المدمرة، فمع حجم الدمار الهائل والمرعب للبنايات والمنازل، لم أستطع التعرف على حارتي ولا على مكان منزلي الذي تحول مكانه إلى ساحة رملية مجرفة لتمركز الدبابات والآليات العسكرية".

وختمت الخطيب حديثها بالقول: "أتمنى أن تتوقف الحرب فورًا وبأي ثمن، لأن الثمن الذي سنقدمه سيكون أقل بكثير من الثمن الذي دفعناه وما زلنا ندفعه، وأن نحافظ على ما تبقى من آدميتنا وألا تضيع في زحمة الحرب ".