قورينا الليبية.. روائع الإغريق ترسم ملامح "أثينا أفريقيا" (فيديو إرم)

محمد الرخا - دبي - السبت 4 مايو 2024 10:10 صباحاً - قورينا مدينة ليبية استحقت عن جدارة لقب "أثينا أفريقيا "، فهذه المدينة الوادعة تبدو للوهلة الأولى مثل حلم وردي أو قصيدة ساحرة نظم أبياتها البحر والجبل واللون الأخضر.

Advertisements

تدين للحضارة الإغريقية القديمة بسرها العميق، بدايةً من اسمها وليس انتهاء بمعابدها ذات الأعمدة البديعة وقلاعها ومبانيها المنحوتة بحجارة الإبداع، التي جعلت منها نسخة مصغرة من العاصمة اليونانية تشمخ بعنقها في القارة السمراء.

قبل الميلاد بقرون بعيدة، اعتاد التجار الإغريق التردد على السواحل الليبية، حيث أسسوا عدة مدن أو مستعمرات على الطراز اليوناني القديم، من دون أن يجدوا مقاومة تُذكر، لتصبح قورينا أقدم تلك المدن وأشهرها؛ إذ صمدت في وجه الزمن والغزاة وتوالي الحضارات، من إغريق ورومان وبيزنطيين وعرب، ثم تغيّر اسمها لاحقًا على المستوى المحلي لتصبح شحات.

تقع المدينة شمالي شرق ليبيا في منطقة الجبل الأخضر، ولم يكن اختيار موقعها عام 631 قبل الميلاد عشوائيا من جانب المهاجرين اليونانيين الذين قادهم الملك باتوس الأول منطلقا من جزيرة ثيرا اليونانية أو سانتوريني، فقد اتسمت بالخصب الشديد والهطول الدائم للأمطار حتى سميت بـ"المدينة ذات السماء المثقوبة"، لكن التغيرات المناخية أصابتها لاحقا بشح المياه وموارد الري؛ بسبب نضوب ينابيعها؛ ما يرجّح سبب تسميتها في العصور المتأخرة باسم شحات.

حورية تقتل أسدا

هناك أكثر من رواية وراء تسمية قورينا بهذا الاسم، لكن القصة الأكثر تداولا في هذا السياق أن حورية تحمل الاسم نفسه لشاهدها أبولو؛ أحد أشهر آلهة جبال الأوليمب الذي يرمز إلى الشمس والشعر والنبوءة، وهي تقتل أسدا فأعجب بجمالها وشجاعتها.

والمؤكد أن المدينة الوليدة سرعان ما أصبحت قطعة من اليونان، لكنها خضعت لحكم البطالمة بعد موت الإسكندر الأكبر في 323 قبل الميلاد، ثم أصبحت في تطور دراماتيكي لافت عاصمة إحدى المقاطعات الرومانية حين خضعت لنفوذ الإمبراطورية الأقوى عالميا 67 قبل الميلاد، وتحديدا المقاطعة التي تكونت من خلال إنشاء اتحاد مع جزيرة "كريت" اليونانية.

ومن أبرز الآثار التي تشكل عنوان الحضارة الإغريقية في المدينة معبد زيوس، الذي يكاد يضارع في مساحته آثار بارثنيون بهضبة أكروبوليس في أثينا، وهناك كذلك معابد أبولو وهيكاتي وهاديس، فضلا عن الحرم الديني الذي يشمل البوابة اليونانية، ووضع الرومان بصمتهم المميزة عبر المسارح والنوافير والأسواق والقصور وساحات سباق الخيل.

محنة هائلة

تعيش المدينة محنة هائلة تكاد تقترب من حدود المأساة؛ بسبب التهديدات الأمنية تارة وتعديات المواطنين تارة أخرى، على حد تعبير منظمة اليونسكو التابعة للأم المتحدة، التي أعلنت المكان في 2016 ضمن لائحتها للتراث العالمي المعرض للخطر.

وبعد مرور 8 سنوات على هذا التصنيف، لا تزال تلك المخاطر ماثلة، وتظهر في بعض مواقع المدينة مياه قذرة مجهولة المصدر كأنها مياه صرف صحي، بحسب تحذيرات مختصين، فضلا عن انهيار بعض الكتل والأحجار؛ إثر عواصف وفيضانات مختلفة.

ووصل الأمر إلى استيلاء بعض الأهالي على نافورة أبولو وتحويلها إلى حمام سباحة، كما أن آخرين يقتطعون مساحات من الأرض الأثرية للمدينة ويشيدون عليها مساكن في غياب قوة القانون.