هوشنك أوسي لـ"الخليج الان": أوطاني كثيرة ولم أخن القصيدة

محمد الرخا - دبي - الجمعة 3 مايو 2024 10:06 صباحاً - رغم أن التجربة الإبداعية للكاتب السوري الحاصل على الجنسية البلجيكية هوشنك أوسي انطلقت قبل عشرين عاما من ينابيع الشعر عبر العديد من الدواوين، مثل "شجرة الخيالات الظامئة" و"قلائد النار" و"بعيني غراب عجوز"، إلا أنه حقق حضورًا لافتا في المشهد الروائي العربي تعزز بفوزه بجائزة "كتارا" في 2017 عن روايته "وطأة اليقين"، التي صدرت منها طبعة مصرية أخيرا.

Advertisements

تعكس أعماله قضايا ومشاعر ومفارقات عابرة للجغرافيا والأعراق تبعث على التأمل وتنتصر فقط للإنسان. من أبرز أعماله الروائية "الأفغاني" و"حفلة أوهام" و"كأنني لم أكن"، كما صدرت له مطلع هذا العام تجربته الأولى في القصة القصيرة "رصاصة بألف عين" عن دار "بتانة " في القاهرة.    

بعد الشّعر والرّواية، لماذا اتّجهت إلى القصّة القصيرة؟

الأصل في الأدب المحاولة. ليس في شرع الإبداع ما يُحرّم على من مارس الشعر ممارسة الرّواية، بل هو سلوك مُستحب.

القصّة القصيرة، في تقديري، هي المنطقة الوسطى بين الشّعر والرّواية، أخذتْ مِن الأوّل التّكثيف، ومن الثّانية تقنيات السّرد والحكي. توجُّهي نحو القصّة، ليس مردّهُ الشّعور بالنّقص، بل لأنَّ التّجربة الأدبيّة دائمًا تمتحنني، وتطالبني بالمزيد.

ألا يمكن أن يؤدّي تنوّع القوالب والأشكال الأدبيّة التي تمارسها إلى التّشتّت، أليس من الأفضل أن تركّز في لون إبداعي واحد؟

لا، ليس من الأفضل. التّركيزُ هنا، بالنّسبة لي، ينبغي أن ينصبَّ على الخروج بقصّة أو قصيدة أو رواية جميلة، تكون قيمة مضافة إلى تجربتي الأدبيّة الخاصّة، وإلى مجمل المنجز الأدبي العام. طالما هناك طاقة أدبيّة، ومهارات كتابيّة، وخيال، معطوفًا عليها الأفكارُ الجديدة، فلماذا حصر المجهود الأدبي في جنس أدبي واحد؟.

تعدد الأجناس الأدبيّة بالنّسبة لي، كتعدد الزّوجات للقادر والمقتدر على العدل والإنصاف بين "الزّيجات". بمعنى، الكاتب الذي يمنحنا أبناءً جميلين في الشّعر والقصّة والرّواية، فطوبى له. أحاولُ أن أكون من هذا الصّنف. فإذا لم أكن قادرًا على تعدُّدِ الزّوجات، بالمعنى الاجتماعي التّقليدي، أقلّه، أن أحاول تعويض ذلك، بالمعنى الأدبي.

روايتك "الأفغاني: سماوات قلقة" يبدو أن وراءها قصة لافتة؟

كتبتها أثناءَ تواجدي في تركيا عامي 2009 و2010. وبعد مغادرتي تركيا ، ضاع منّي مخطوط الرّواية في اليونان. بعد مضي نحو 10 سنوات، وتحديدًا في 2019، أعدت كتابة الرّواية في بلجيكا، مع بعض الإضافات، وأهديتها لشقيقي الذي مات بالسّرطان ولم يرَ الرّواية منشورةً سنة 2020.

لماذا لم تكتب بشكل تفصيلي عن تجربة قوارب الموت والهجرة غير الشّرعية لأوروبا ما دمت خضت التجربة على المستوى الشّخصي؟

يتناول القسم الأول من روايتي "الأفغاني" المهاجرين غير الشّرعيين وقوارب الموت، كما أنّ روايتي "حفلة أوهام مفتوحة" فيها ملمح من ملامح الهجرة، سواء بقوارب الموت أم بغيرها، وهي مهداة إلى الطفل السّوري الكردي "آلان" الذي هزّت صوره العالم، كذلك روايتي الأولى "وطأة اليقين"، فيها أيضًا إشارات إلى القضية نفسها.

سوري، كردي، حاصل على الجنسيّة البلجيكيّة.. هل تعاني كمبدع من أزمة في الهويّة؟

أعتقد أن نتاجي الأدبي ومقالاتي تؤكد أنني ضد الظلم في كل مكان في العالم بصرف النظر عن الدين أو العرق أو الجنسية. في أعمالي الروائية، تتعدد الأمكنة والهويات والمجتمعات والثّقافات، وتتلاقى وتتداخل. وعلى الصّعيد الشّخصي والإنساني أيضا؛ أنا كائن متعدّد الأوطان وأوطاني كثيرة، تبدأ بالشّعر، ولا تنتهي بالرّواية.

على ذكر الشعر، ألا تشعر بالذّنب تجاه القصيدة؛ لأنّك خنتها واتجهت للرّواية حيث عالم الأضواء والشهرة؟

لا، لا أشعر بالذنب. ما زلت أكتبُ الشّعر، وأنشرهُ في دواوين. كتابتي له دليلُ براءتي من هذه التّهمة. لو أنني أدرت ظهري للشّعر، لأدار ظهرهُ لي وتركني. العلاقة بيني وبين الشّعر علاقة حبّ من طرفين. وكذا الحال مع الرّواية. ثمّ مَن قال إن عالم الشّعر لم يعد عالم الشهرة والأضواء.

الشعراء العرب يشكون من عدم ترحيب دور النشر بطباعة أعمالهم وانحسار الاهتمام الإعلامي عنهم، بماذا تفسر هجرتهم الجماعيّة نحو الرواية؟  

هذه ليست هجرة جماعيّة. أرض الشِّعر وفضاءاته ليست قفر بور حتّى يهجرها أهلها. توجّه الشّاعر إلى كتابة الرّواية حقٌّ تمنحه الحياة له، لماذا نحاول إثارة الشّكّ والشُّبهة حول ممارستهِ حقَّهُ؟ لندعهُ يكتب ما تمليه عليه الحياة، شعرًا، روايةً، قصّةً، نقدًا..، وما ينفع النّاس يمكث في أراضي الأدب وسماواته.