في ذكرى رحيله.. كيف جعل نزار قباني القصيدة خبزا للبسطاء والحالمين؟

محمد الرخا - دبي - الثلاثاء 30 أبريل 2024 11:13 صباحاً - عند التطرق إلى تجربة ضخمة متنوعة مثل تجربة الشاعر الكبير نزار قباني الذي تحل اليوم 30 أبريل/ نيسان ذكرى رحيله عام 1998، ستقال أشياء كثيرة، ويراق الكثير من الحبر في وصف منجزه الإبداعي، لكن يظل أحد أعظم تجليات تفرده الاستثنائي هو أنه جعل الشعر يهبط من علياء النخبة المثقفة ومحتكري القصائد الأرستقراطية إلى الشارع فيمشي بين الناس في الأسواق ويصبح خبزا ساخنا يستقبله الحالمون والبسطاء ممن أضناهم الجوع إلى روعة التعبير ودهشة الصورة الفنية وثراء المخيلة.

Advertisements

تبنى نزار الدعوة بشكل صريح إلى ما أطلق عليه "تأميم الشعر العربي" وكان يقصد به ألا يظل حكرا على طبقة بعينها ويصبح، على حد تعبيره ، "خبزا شعبيًا" و"سلعة عامة" و"عملة رائجة". لم يكن الأمر سهلا فهو يحارب بهذه الدعوة مفاهيم وتقاليد مستقرة تعود إلى آلاف السنين عالميا وعربيًا، تؤكد أن الشعر "فن نخبوي" يخص كبار القوم من الشعراء والكهنة ولا علاقة له بالجماهير الذين قد يُنظر إليهم نظرة دونية باعتبارهم "رعاعا".

اعتبر صاحب دواوين "قصائد متوحشة" و"الرسم بالكلمات" و"يوميات امرأة لا مبالية" أنّ الاستعلاء على الجماهير بحجة أنّ "العمق الفني لا يتماشى مع اهتمامات رجل الشارع" يرقى إلى توصيف الجريمة، مؤكدا أن "الشعب العربي محكوم بالشعر وكل الأطفال العرب يولدون شعراء ويخطّطون ليكونوا شعراء". ويضرب في كتابه "الأعمال النثرية الكاملة" مثلا لافتا بالسودان في هذا السياق، حيث يقول: "كل سوداني عرفته كان شاعراً، أو راوية شعر، ففي السودان إما أن تكون شاعراً أو أن تكون عاطلاً عن العمل".

كانت المعركة التي خاضها الشاب السوري المهذب الخجول في بدايات مشواره الأدبي أواسط القرن العشرين شرسة للغاية، فهو يتمرد على اتجاهين في القصيدة العربية تسيّدا المشهد آنذاك، الأول يتسم باللغة الصعبة والتراكيب العتيقة وهي مدرسة الشعر القديم، والثاني يتميز بالغموض والألغاز والطلاسم بزعم مجاراة العالم من حولنا وهي مدرسة الشعر الحديث.

نجح نزار في معركته إلى أبعد مدى مستعينًا بسلاحين كان لهما أعمق الأثر وهما الفكرة الجريئة المتمردة على السائد أو المألوف، واللغة المرهفة شديدة العذوبة التي تجمع بين البساطة والعمق.

لم يكن الرجل مجرد شاعر مجدد قاد انقلابًا في جمهورية الشعر، بل فنان عظيم يقدم قصيدته بحساسية راقص الباليه. يقول نزار موضحًا مفهوم الشعر لديه: "الشعر رقص باللغة، رقص بكل أجزاء النفس، وبكل خلجاتها الواعية واللاواعية، وبكل أحلامها". على هذه الخلفية، كيف يمكن تعريف الشعراء إذن؟ يجيب نزار: "الشعراء يؤدون رقصة متوحشة، يتخطى فيها الراقص جسده ويتجاوز الإيقاع الموضوع، ليصبح هو نفسه إيقاعاً".