محمد الرخا - دبي - الجمعة 26 أبريل 2024 10:10 صباحاً - لم تكن تعلم وهي تنتظر دورها للعب الحجلة مع رفيقاتها، أن هذا هو يومها الأخير الذي تتمتع فيه بأطرافها الغضّة، فالسلاح الأعمى لا يفرق في قطاع غزة بين الأعمار.
تروي الطفلة الجريحة "حلا الجعل" مأساتها بشفاه مرتجفة، قائلة: "لم أفعل لهم شيئًا، لقد كنت ألعب الحجلة -لعبة تعتمد على تخطي المربعات بقدم واحدة- حيث كان الجو صافيًا والشمس ساطعة، وكنّا نلعب أنا وبعض بنات الحي، وعندما حان دوري باللعب، شعرت أن شيئًا قويًّا يدفعني عشرات الأمتار في لحظة واحدة، وأكوام الأحجار تضرب جسدي، لأفقد بعدها الوعي تمامًا".
وأضافت الطفلة "الجعل" في حديث لـ"الخليج 365"، استيقظت بعدها لأجد نفسي داخل المستشفى وحولي الأطباء ووالدتي تبكي دون توقف، ناديتها بصوت عالٍ لتقترب مني أكثر، فهي عندما تريد أن تخيفني بسبب مشاغباتي كانت تقول لي: "حاخذك عالدكتور".
وتابعت، حتى تلك اللحظة لم أكن أعرف أن ساقي ويدي قد بُترتا. اعتقدت في البداية أنهما أُصيبتا بجراح لا أكثر، حتى بدأت أشكّ عندما شاهدت يدي دون كف، وكذلك الأمر في قدمي، لم يكن أمامي خيار إلا البكاء والصراخ في الأطباء بإعادة يدي وقدمي.
وأكملت، بدأت أتذكر آخر اللحظات قبل القصف الذي استهدف منزلًا مجاورًا، وصرت أتذكر يدي وقدمي وأنا ألعب بهما، واليوم وبسبب ذنب لم أقترفه قطع الجيش الإسرائيلي قدمي ويدي، وتركني أواجه باقي حياتي بكل هذه الإعاقات.
الطفلة حلا بعد خروجها من العملية الثانية في مستشفى شهداء الأقصى بمدينة دير البلحالخليج 365
تقاطع سمية بركة طفلتها حلا، قائلة: "في تلك اللحظة لم أتمالك نفسي، وانهرت باكية أحضنها وأخفف عنها، حتى اللحظة لا يستوعب عقلي حجم الألم الذي تعرّضت له طفلتي ذات السبعة أعوام، وما الطريقة التي يمكنني أن أعوّضها بها عمّا حصل".
وأكملت في حديث لـ"الخليج 365"، نحن نعيش صدمة عمرنا بسبب ما تعرّضت له حلا، لا أعتقد أن حياتنا ستعود كالسابق، لا سيما أن حلا كانت تدخل في كل تفاصيل حياتي، بدءًا من مشاركتي الطبخ وغسل الأطباق، حتى اختيار ملابسي قبل الخروج.
وتابعت، اليوم حلا دون قدم ودون يد، إعاقة على مستوى جميع الأطراف، العلوية والسفلية، وفوق كل هذا وذاك تحولّت طفلتي من نفسية ملؤها الحب والحياة والطاقة الإيجابية والضحكات العالية إلى طفلة منطفئة تبكي باستمرار، واكتئاب يحتاج إلى العشرات من جلسات العلاج النفسي.
وأشارت السيدة سمية بركة إلى أنها تريد أن تنقل صوت الشارع الحقيقي، "لقد مزّقت الآلة الحربية الإسرائيلية أجسادنا وأجساد أطفالنا دون رحمة، وسحقت ودمرت بيوتنا وأحلامنا، والمقابل صفر كبير، بل أقل من ذلك، لقد تحوّلت حياتنا إلى جحيم لا يطاق، وسط دوامة مفاوضات يستخدمها الإسرائيلي فقط لكسب الوقت وتدمير ما تبقّى من أحياء غزة، وارتكاب عمليات التطهير العرقي بحق المدنيين".
وختمت الطفلة حلا الحديث: "أعرف أنه لا يوجد أحد قادر على إعادة يدي وقدمي المبتورة، ولكن حتى لا يحدث ذلك مع أطفال آخرين أريد أن تتوقف الحرب إلى الأبد، أريد أن أعود إلى مدرستي وصديقاتي، أريد أن أسافر للخارج لتركيب أطراف صناعية".