محمد الرخا - دبي - الأربعاء 24 أبريل 2024 09:03 صباحاً - لا يجتمع الشوق واللهفة مع الفضول الممتزج بكثير من الترقب، مثلما يجتمع في طابور طويل متعرج يقف أصحابه أمام سيخ منتصب رأسيا وهو يضم بين جنباته كتلة ضخمة من الدجاج أو اللحم المتبل، فيما الروائح الشهية تعبق في المكان. وتتصاعد الأدخنة وتتوالى الانفجارات الصغيرة بينما طبقة اللحم أو الدجاج التي تسيل عبرها الدهون تأخذ لونا ساحرا ينم عن النضج على نار "الشواية" الهادئة.
خلف هذا المشهد الذي تشتهر به القاهرة الساهرة حتى مطلع الفجر، والذي يتكرر في عواصم عربية عدة مع اختلاف طفيف هنا أو هناك، تشتعل حروب تاريخية حول نشأة "ساندويش الشاورما" وأصل التسمية وكيف عبر الاختراع الأشهى إلى أوروبا.
الثالث عالميا
واتخذ الجدل التاريخي بعدا جديدا بعد أن صُنَف هذا الساندويش أخيرا باعتباره الثالث عالميا على مستوى الأطعمة التقليدية بعد ساندويشات " البان مي" الفيتنامي و"التومبيك دونر" التركي، وذلك وفق دليل السفر الشهير Taste Atlas المتخصص في تجربة الأطعمة التقليديّة حول العالم.
نشأة الشاورما
الروايات حول نشأة الشاورما متعددة ومختلف عليها بشدة، منها ما يقال عن "إسكندر أفندي" المقيم في "بورصة" التركية، والذي كان ماهرا في إعداد الطعام وأراد في منتصف القرن التاسع عشر أن يتجنب عيوب شي الخروف بالطريقة التقليدية الأفقية على النار، فقام بتقطيع لحمة إلى شرائح وقطع صغيرة، ووضعها ككتلة رأسية على سيخ حاد الأطراف يدور طوال الوقت دورة كاملة بطيئة الإيقاع.
أخبار ذات صلة
"دبلوماسية الشاورما" بين ألمانيا وتركيا
وأثبتت الطريقة الجديدة فعالية مدهشة على عكس نظيرتها الأفقية، فقد أصبح إنضاج اللحم متساويا من جميع الجوانب، كما أن الدهون والبهارات لم تعد تتساقط على الأرض، ولم يعد الأمر يتطلب مجهودا عضليا كبيرا كما كان يحدث قديما.
الرواية السابقة تدعمها دائرة المعارف البريطانية، لكن هناك روايات أخرى تنقضها منها أن أتراك القرم هم أول من عرفوا تلك الطريقة قبل ذلك في القرن السادس عشر، وهو ما يؤكده أحد الرحالة الأتراك الذي أكد أنهم كانوا يضحون بخروف سمين في الشتاء ويتناولون لحمه بالأسلوب نفسه.
مطعم شاورما في لبنان AFP
وفي مواجهة الروايتين، تتعدد الروايات السورية، منها أن الشاورما اختراع سوري 100% بدليل أن الخبز المستخدم في صنعها هو الخبز السوري الشهير، كما أن 90% من البهارات المستخدمة في صنعها هى بهارات عربية لم تعرفها تركيا إلا أخيرا. وهناك رواية أخرى تقول ربما كان أصل الشاورما تركيا، لكن المؤكد أن مذاقها العالمي ونكهتها الشهيرة وتطورها اللافت وهويتها الجديدة التي عُرفت بها لاحقا، كلها أشياء صاغتها العبقرية السورية التي تضرب بجذورها في تاريخ الطعام والتجارة معا. وهناك فريق ثالث يجادل بأن " شاورما اللحم " تركية المنشأ أما " شاورما الدجاج " فهى سورية خالصة.
الاسم
وعلى المنوال ذاته، تتعدد الروايات وتتناقض في سبب تسمية الشاورما بهذا الاسم، ولعل الرواية الأكثر تداولا في هذا االسياق أنها تعود إلى الكلمة التركية "سيفريم" بمعنى "الدوران" في إشارة إلى حركة السيخ والتي حُرّفت لاحقا إلى "شيفريم" ثم اسمها الحالي.
وعلى يد الأتراك، غزت الشاورما أوروبا والغرب لا سيما ألمانيا التي وضع بصمته فيها "قدير نورمان" العامل الوافد إلى البلاد عام 1973 ليبيع اللحم في الخبز الشرقي أمام حديقة حيوان برلين. وحين توفي في 2013 كان قد حظى بلقب "أبو الشاورما" في ألمانيا.