محمد الرخا - دبي - السبت 20 أبريل 2024 12:03 مساءً - جزيرة صغيرة ممشوقة القد، ساحرة التكوين، لا تزيد مساحتها على 20 كم مربعا، تضم من أطلال الماضي وبقايا التاريخ ما يجعلها شاهد عيان على حضارات وثقافات شتى تعود إلى آلاف السنين.
لعبت دورا تجاريا على مدار التاريخ، وكانت محطة أساسية في طريق قوافل الحجيج. احتوت على مبانٍ عظيمة وبيوت شاهقة مشيّدة من الحجر المرجاني المطلي باللون الأبيض، وظلت ماثلة للعيان لمدة قرون قبل أن تنهار وتصبح أثرًا بعد عين.
تحيط بها مياه البحر الأحمر من جميع الجهات شرقي السودان، إذ ترتفع عن سطح البحر 66 مترا، بمسافة 560 كيلومترا عن العاصمة الخرطوم.
وإذا كانت باريس "مدينة الجن والملائكة"، بحسب التوصيف المجازي الشهير الذي أطلقه عليها عميد الأدب العربي طه حسين، فإنّ "سواكن" السودانية هي حرفيا المدينة التي شيّدتها أساطير الجن، التي تعود حسب الخيال الشعبي والمرويات المتداولة إلى عصر النبي سليمان، حتى أن اسمها نفسه تم تفسيره طبقا لذلك، وفق إحدى النظريات الرائجة.
يقال في هذا السياق، ووفق ما راج عبر السنوات في الذاكرة الشعبية، إن أحد ملوك الحبشة "إثيوبيا" بعث هدية من الجواري إلى النبي سليمان في سفينة أبحرت إلى مقر إقامته في "أورشليم"، وحين مرت السفينة التي تحملهن في مدينة "سواكن"، قرر طاقمها الاستراحة لليلة الواحدة، ثم مواصلة الإبحار غدا. وهنا راقت الجواري للجن، وكانت النتيجة أن حملت كل جارية في مدة قياسية لا تتجاوز 24 ساعة.
وحين علم النبي بحقيقة ما حدث، أمر بعودة السفينة إلى المكان نفسه الذي شهد الواقعة، وحبس الجن هناك في سجن بُني خصيصًا لهذا الغرض، ليصبح اسم "سواكن" تحريفا لكلمة "سواجن" بمعنى سجناء. وقيل بل جاء الاسم من "سبع جن"؛ نظرا لعدد الجن آنذاك.
هذه هي القصة التي انبعثت من الذاكرة الشعبية للسودانيين على مر السنوات وتناقلوها، وتُحكى باختلاف بسيط من مروية إلى أخرى، لكن هناك تفسيرات أخرى لنشأة الاسم مثل القول إنه مشتق من كلمة مصرية قديمة هي "شواخن"؛ بمعنى محطة.
وثمة اعتقاد راسخ لدى سكان الجزيرة أن الجن يتخفى حاليا في صورة قطط سمان حمراء تظهر ليلا وهي تتهادى على سطح الجزيرة، وتعيش على اصطياد الأسماك، وتبدد بنور عيونها الباهر عتمة الدروب والأطلال في الليل الدامس.
ويستشهد أصحاب هذا الاعتقاد بضخامة وعظمة المباني التي كان المكان يحفل بها قديما، مؤكدين أن الجن فقط من يمتلك القدرة على تشييد تلك الروائع المعمارية في مكان ناءٍ وشبه مهجور قديما.
وقع في غرامها عظماء القادة على مر التاريخ، فجعلها الملك رمسيس الثاني قاعدة لأسطوله البحري عام 1415 قبل الميلاد، حين ازدهرت التجارة بين مصر وبلاد الشرق الأقصى. وحين احتل البطالمة بقيادة "بطليموس الثاني" مصر في العام 285 قبل الميلاد، جعلوا منها محطة أساسية في التبادل التجاري مع دول شرق إفريقيا التي كانت مشهورة بالبخور والعاج والقرفة. وفي عهد الخلافة العثمانية، تحوّلت سواكن إلى مقر حاكم "مديرية الحبشة".
ويعد أبناء قبيلة "البجا" بمثابة السكان الأصليين للجزيرة التي لعبت دورًا تاريخيًا مميزًا باعتبارها محطة أساسية للحجاج اليهود والمسيحيين القادمين من إثيوبيا إلى القدس، ثم حجاج السودان وغرب إفريقيا المتجهين إلى مكة المكرمة.