جماجم المقاومين.. ملف شائك في العلاقات الجزائرية الفرنسية

محمد الرخا - دبي - الاثنين 15 أبريل 2024 02:13 مساءً - رغم اعتماد فرنسا أواخر العام الماضي، مرسومًا يسمح بإعادة البقايا البشرية الخاصة بمستعمراتها السابقة إلى بلدانها، فإن ملف جماجم المقاومين التي تطالب الجزائر باستعادتها لا يزال يلقى مقاومة من جانب باريس.

Advertisements

وفي بادرة ترمز إلى النضال من أجل مصالحة الذاكرة والكرامة الإنسانية، أطلق النائب الفرنسي كارلوس مارتنز بيلونغو، معركة تشريعية في فرنسا من أجل استعادة جماجم مقاتلي المقاومة الجزائرية، المحفوظة منذ القرن التاسع عشر.

وخلال رحلته الأخيرة إلى الجزائر العاصمة، جدد بيلونغو التزامه بهذه القضية، حيث أبرز في تصريحات له التزامه النشط باستعادة هذه الجماجم باقتراحه تشريعًا لتبسيط العملية، منتقدًا بشدة إنشاء اللجان بشكل متكرر باعتباره أسلوبًا يؤخر المصالحة.

وبالنسبة له، لا ينبغي للعقبات البيروقراطية أن تعوق عملية إعادة الممتلكات، بل ينبغي أن ينظر إليها باعتبارها بادرة احترام وكرامة إنسانية.

ويهدف مشروع قانون بيلونغو إلى السماح بالاسترداد السريع، دون انتظار إنشاء لجنة مخصصة والموافقة عليها.

وبالإضافة إلى مناقشة مشروع القانون، ناقش بيلونغو في الجزائر أيضًا قرارًا برلمانيًا يدعو إلى تخصيص يوم تذكاري لمذبحة 17 أكتوبر 1961، وبالتالي ربط إعادة الجماجم باعتراف أوسع بالعنف الاستعماري.

إعادة رفات الجزائريين

وجاء تحرك نائب كتلة فرنسا الأبية اليسارية في البرلمان الفرنسي، بناء على مقترح قانون قدمه في 2 نوفمبر تشرين الثاني 2022، نص على إقرار إعادة رفات الجزائريين دون قيود أو شروط من أجل دفنها بطريقة لائقة، بعد أن استعرض في ديباجة المقترح عراقيل قانونية وإدارية كانت تعطل عملية إرجاع الجماجم، باعتبارها حسب القوانين الفرنسية ملكًا للمجموعة الوطنية.

وأفاد بيلونغو في عرضه مقترح القانون الذي لقي دعمًا من عشرات النواب، بأن هذه الجماجم تعود لفترة هي الأسوأ في التاريخ الاستعماري للدولة الفرنسية خلال فترة الجمهورية الثالثة، وقد تم إدراجها بحسبه ضمن الملكية الوطنية في ظروف تتسم بالبشاعة والاحتفال الدموي والوحشي بالنصر على خصم تم انتهاك كرامته حتى الموت.

هذه الجماجم تعود لفترة هي الأسوأ في التاريخ الاستعماري للدولة الفرنسية

النائب الفرنسي كارلوس مارتنز بيلونغو

ووفق ديباجة المقترح فإن "هذه الجماجم ليست سوى مظهر لممارسة تقوم على انتهاك حرمة الجثث، وعلى البربرية التي تمت تغطيتها بمبررات شبه علمية لعصر غابر، في وقت كان الهدف الوحيد مما جرى فيه تحطيم وإهانة الخصم الذي تعرض للهزيمة".

ويؤكد أستاذ التاريخ المعاصر في جامعة الجزائر آدم مقران، أن هذه البقايا تم أخذها بدعوى دراستها في سياق الهيمنة الاستعمارية، فقد كانت الجماجم الجزائرية المحفوظة في المتحف الوطني للتاريخ الطبيعي في باريس محور جدل منذ عقود.

وقال مقران لـ"الخليج 365"، إنها ليست آثارا بسيطة من الماضي، ولكنها تمثل فترة مظلمة من الاستعمار الفرنسي، إذ إن هذه الجماجم لمقاتلي المقاومة الجزائرية الذين سقطوا في المعارك خلال الثورات ضد الاستعمار في القرن التاسع عشر.

وعاد المختص في التاريخ إلى يوم جلبها إلى فرنسا لإجراء دراسات علمية مزعومة، معتبرا ذلك شهادة على هيمنة تقاس بإذلال المهزومين حتى في الموت.

ليست آثارا بسيطة من الماضي ولكنها تمثل فترة مظلمة من الاستعمار الفرنسي

أستاذ التاريخ المعاصر بجامعة الجزائر آدم مقران

ويرى مراقبون أيضًا أن إعادة الجماجم لن تكون مجرد عودة مادية للرفات البشرية بل من شأنها أن تبدأ عملًا عميقًا من الاعتراف والمصالحة.

وبالنسبة للجزائر، يعني ذلك تكريم ذكرى أولئك الذين ناضلوا ضد الاستعمار. وبالنسبة لفرنسا، يمكن اعتبار الأمر خطوة إلى الأمام في إعادة النظر في ماضيها الاستعماري.

وفي وقت سابق كشف المستشار السابق لدى رئاسة الجمهورية الجزائرية المكلف بالأرشيف الوطني والذاكرة الوطنية عبد المجيد شيخي، عن وجود أكثر من ألفي جمجمة تعود لجزائريين، من أصل 18 ألفًا توجد في متحف الإنسان الفرنسي.

وذكّر بأن "فرنسا الاستعمارية كان هدفها من وراء نقل جماجم الجزائريين إثبات تفوق الجنس الأبيض".

أخبار ذات صلة

تقرير: رفات "مجهولين" يعقد ملف مصالحة الذاكرة بين فرنسا والجزائر

وفي يوليو تموز 2020 تسلمت الجزائر دفعة أولى من الجماجم حيث تم دفنها في مربع الشهداء في مقبرة العالية بالجزائر العاصمة في احتفال رسمي.

وتشمل القائمة رفات 24 مقاومًا جزائريًّا في فترة المقاومة الجزائرية خلال القرن التاسع عشر.