طلميثة الليبية.. الإمبراطور العاشق يمنح المكان سرَّ الخلود (فيديو إرم)

محمد الرخا - دبي - السبت 13 أبريل 2024 09:03 مساءً - مدينة أثرية بديعة، تطل على البحر مباشرة، وتعانق الجبال، وترنو بعنقها صوب سماوات قريبة كمتحف حضاري مفتوح، قلما تجد له نظيرًا في العالم أجمع. تمزج في أعمدتها الشامخة، وأقواسها المدهشة، وأسوارها المشيدة بأحجار الإبداع، بين أسرار الحضارات الإغريقية، والبطلمية، والرومانية، في تركيبة فريدة يشهد عليها التاريخ  ويباركها الزمان.

Advertisements

طلميثة أو بطليموس أو بطوليمايس.. تنويعات ليبية متعددة، تعزف على لحن واحد بطله إمبراطور عاشق، هام حبًا فمنح المكان سر الخلود وفق تقاليد قديمة تجمع قبل أكثر من 2000 عام  بين الغرام، والحكمة، والمجد.

تأسس المكان في بادئ الأمر كميناء بحري مزود بأبراج الحراسة والحصون الدفاعية لحماية السفن التجارية والبضائع الثمينة، التي تروح جيئة وذهابًا عبر الخط الملاحي بين شمال أفريقيا وشواطئ أوروبا  في القرن الثالث قبل الميلاد. حدث ذلك على يد الإغريق الذين أسسوا مراكز تجارية وعسكرية على امتداد الساحل الليبي في المنطقة ما بين درنة وبنغازي. 

وكان على المكان أن ينتظر بعض الوقت حين خضع الإقليم إلى نفوذ البطالمة المتنامي عالميًا. في ذلك التوقيت، حدث أن هام  إمبراطور مصر آنذاك  "بطليموس الثالث فيلادلفيوس" حبًا بالأميرة " برنيق " ، تُنطق أحيانًا برنيكي أو برنيشه، ويعمد إلى الزواج منها. ورغبة منه في تخليد هذا الزواج وتدعيم أواصره، أراد أن يطلق اسمه على بقعة مميزة من بلاد الأميرة، فلم يجد أفضل من الميناء الذي تحول إلى مدينة تعج بالآثار والعجائب عبر العصور، وأصبحت المدينة تُعرف باسم "بطليموس" أو " بطوليمايس"، وتحوّر الاسم بمرور الوقت ليصبح " طلميثة ". 

زواج لم يخل من شيء من المصلحة والرغبة في المجد؛ إذ أراد الإمبراطور أن يوسع نفوذ إمبراطوريته التي تتخذ من مصر مقرًا لها، بالتحالف مع عمه " الملك ماجوس"  الذي كان  يحكم آنذاك  أجزاءً مما يعرف اليوم بـ "ليبيا" عبر الاقتران بابنته، إلا أن هذا لا ينفي أن إطلاق اسمه على المدينة كان قرارًا حكيمًا مزج الحب بالسياسة. 

تقع المدينة شمال شرق ليبيا، في موقع لا يمكن وصفه إلا بـ "العبقري" و"الفريد " بداية من إطلالته المباشرة على شاطئ البحر المتوسط والمرتفعات الجبلية التي تلوح في خلفية المشهد وسط تضاريس صخرية تتميز بالوعورة وتعرجات ساحلية تصعّب من مهمة الغزاة؛ ما منح المكان تحصينًا طبيعيًا وأهمية إستراتيجية كونه يقع على الخط الملاحي الذي يربط اليونان بشمال أفريقيا. 

ورغم الطبيعة الوعرة للمكان، إلا أنه لا يخلو من تربة زراعية شديدة الخصوبة، جعلت منه مركزًا تجاريًا مزدهرًا في عهد الرومان الذي خضع لنفوذهم بعد البطالمة والذين أطلقوا عليه اسم " البنتابوليس"  والذي سيتكون من مقطعين " بنتا " أي " خمس" و "بوليس" بمعنى "مدينة" في إشارة إلى إقليم "المدن الخمس" الذي تقع المدينة ضمنه. 

وتضم المدينة كنوزًا من الآثار تتضمن بقايا الكنائس والقصور الفخمة، فضلاً عن شبكة مياه الشرب التي شيدها الرومان وفق منظومة هندسية بديعة تتألف من عشرات الصهاريج والأنفاق. وهناك "بوابة توكرة" التي سميت بذلك؛ لأنها تطل على مدينة توكرة  و"الكنيسة المحصنة" التي سميت بذلك؛ لأن تصميمها المعماري يجعلها أشبه بالحصن، غير أن السكان المحليين يعرفونها باسم " قصر بو قبيبة" أي القصر المتوج بـ "قبة " صغيرة. وكان بعض قصور المدينة مقرًا للسلطة المحلية في العهد البطلمي، كما اتخذ منها نائب الإمبراطور الروماني "دقليديانوس" مقرًا لحكمه.