في ذكرى وفاتها.. من هي ربى الجمال طبيبة الأرواح التي رحلت باكراً؟

محمد الرخا - دبي - الجمعة 12 أبريل 2024 03:07 مساءً - "هالدمعة قسمتنا مكتوبة ع الميلاد.. شمعة ورا شمعة عم تنطفي وتنقاد"، هذه آخر جملة رتَّلتها "رُبى الجَمَال" من أغنيتها "صبّرني يا قلبي" قبل أن تفقد صبرها من الأداء الرديء للفرقة الموسيقية التي رافقتها لإطلاق ألبومها الثاني "ليالي العمر"، وتترك المسرح لتصاب بعدها بسكتة دماغية في الثاني عشر من نيسان عام 2005، منهيةً حياة صاحبة "الصوت الخارق".

Advertisements

المطربة السورية المولودة في حلب عام 1966 استطاعت أن تجعل من حنجرتها استثناء باهرا، إذ دمجت بصوتها بين وقار أم كلثوم وأنوثة أسمهان، بعد معرفة موسيقية بنتها طفلةً في دير راهبات الوردية في عمّان على يد أستاذ روسي أعجبته خامة صوتها واستمر بتعليمها الترتيل الكنسي والغناء الأوبرالي حتى بعد تركها للدير.

لتكون بدايتها الاحترافية من إذاعتي دمشق وبيروت بعد اعتمادها كمطربة فيهما منذ عام 1979، ومنهما بدأت رحلة انتشارها في الوطن العربي، خاصةً بعد أن تبناها الموسيقار الفلسطيني رياض البندك وقدم لها العديد من ألحانه.

ربى الجمالفيسبوك

لكن معارضة أهلها لأن تكون مطربة، ورغبتهم بأن تصبح دكتورة جعلها ترضخ لهم، وتسافر إلى فرنسا للدراسة، وبينها وبين لندن اختصت بطب الأطفال، لكنها لم تمارس تلك المهنة نهائيًّا، فهي على الأرجح عرفَت أن صوتها قادر على مداواة الأرواح المتعبة بمعرفتها العميقة لأصول الغناء الشرقي والغربي معاً.

وفي غربتها الأوروبية تعرفت على مدير دار الأوبرا الذي أُعجب بصوتها السوبرانو، وطلب منها أن تشارك في مهرجان "ماريا كالاس" إلى جانب ثلاثين متشاركة من عدة دول حول العالم، وفي ذاك المهرجان احتلت المرتبة الأولى، ونالت عدة ألقاب منها: "أعلى صوت نسائي في العالم"، و"أفضل قرار سوبرانو"، و"سيدة الأناقة والرُّقيّ".

وبعد عودتها إلى سوريا، كان نشاطها الفني نادراً، لكن مشاركتها في حفل المؤتمر الرابع للموسيقى العربية في القاهرة في نوفمبر عام 1995، كان بمثابة القنبلة التي فجَّرها صوتها بعد أدائها لمجموعة من الأغنيات الطربية مثل: "أنت عمري، وعودت عيني، وافرح يا قلبي، ويا ليلة العيد، وافرح يا قلبي" مع الفرقة القومية للموسيقى العربية بقيادة المايسترو سليم سحاب، إذ أذهلت الحاضرين الذين صفقوا لها واقفين لمدة ربع ساعة، كما تم منحها كتاب شكر وتقدير من المؤتمر.

"تسجيل حفلاتها الطربية كان قادراً على إظهار إمكانيات حنجرتها وفرادة صوتها"

وكانت ربى تُسبِّح الجَمال عبر المقامات الشرقية، وتُدوزِن أحاسيسها بميزان الذهب، واصلةً إلى أعمق أعماق جوهر الغناء والتطريب، لدرجة قال عنها الناقد الموسيقي السوري صميم الشريف إنها صوت خارق لم يسمع مثيلاً له منذ خمسين عاماً، بينما أعلن الموسيقار المصري محمد سلطان عام 1982 أنها إن قبلت أن تبقى في القاهرة لعام واحد فسيجعل منها أهم مطربة في عصرها.

لكن صاحبة أغنية "صعّبها بتصعب هوّنها بتهون" بمزاجيتها العالية كانت تتبع نبضها الخاص، وترسم ملامح حياتها الفنية وفق هواها، من دون أن تسمح لأحد بتوجيهها؛ لذلك كانت تنتقي أغنياتها بعناية فائقة، ومن ملحنين لهم بصمتهم الخاصة وفهمهم العميق لصوتها، من أمثال سعيد قطب، وسهيل عرفة، وماجد زين العابدين، وأحمد السنباطي، وفاروق الشرنوبي، ونجيب السراج، وصفوان بهلوان، ووديع الصافي، ورياض البندك، وأمير مجيد، وعماد توفيق.

وعلى الرغم من أنها لا تملك في رصيدها إلا ألبومين، إلا أن تسجيلات حفلاتها الطربية كانت قادرة على إظهار إمكانيات حنجرتها وفرادة صوتها، كما أن الصحافة الفنية كانت شاهدة على الألق الذي حققته في مشاركاتها ضمن المهرجانات، إذ كتبت الصحافة التونسية إثر مشاركة ربى في إحياء مهرجان قرطاج بتونس سنة 1998 "إنها صوت كلثومي من عيار 24 قيراط"، كما أن الصحافة المصرية احتفت جدًّا بأدائها مع وديع الصافي لدويتو "مجنون ليلى" في حفلة تكريم محمد عبد الوهاب.

نالت "زوفيناز خجادور قره بتيان" وهو الاسم الأصلي لربى الجمال، جائزة الطبق الذهبي من وزارة الثقافة السورية منقوشاً عليه "ربى الجمال صاحبة أفضل صوت نسائي في الوطن العربي"، كما منحت شهادة من مسرح الكونتيننتال في باريس، وأيضاً جائزة الميكرفون الذهبي، لكن رحيلها المُبكِّر عن 39 عاماً كان صدمةً لمحبيها، والصدمة الأكبر كانت أنه لم يمشِ في جنازتها أكثر من عشرين شخصاً قبل أن توارى الثرى في قبر أمَّنته لها جمعية أرمنية في حلب.