مؤرخ أمريكي: ما يجري في غزة ناتج عن اقتحام الإمبريالية للشرق الأوسط

محمد الرخا - دبي - الخميس 11 أبريل 2024 09:03 مساءً - قال مقال نشرته صحيفة "الغارديان" البريطانية للمؤرخ الأمريكي من أصول فلسطينية، رشيد الخالدي، إن حرب غزة "لا نستطيع أن نفهمها على النحو الصحيح، إلا في سياق الحرب التي دامت قرنًا من الزمان على فلسطين".

Advertisements

وأضاف الخالدي في مقاله، أن الأحداث المروعة التي وقعت خلال الأشهر الستة الماضية، ليست فريدة من نوعها، ولا تقف خارج حدود التاريخ، رغم الجهود التي تبذلها إسرائيل لإنكار أهمية السياق، وتفسير الحرب وفق الخصائص "البربرية" التي يتسم بها أعداؤها، من وجهة نظرها.

وأشار الكاتب إلى التغيرات التي طرأت في أعقاب حرب 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، مؤكدًا أن الحرب "قابعة فوقنا مثل سحابة سوداء ساكنة، تزداد قتامة، وتنذر بالخطر مع مرور أسابيع لا نهاية لها من الرعب، الذي ينكشف أمام أعيننا".

خيم النازحين في رفحرويترز

نكبة جديدة

ولفت الكاتب إلى حديث بعضهم الذي اعتبر أن ما حدث كان بمثابة "11 سبتمبر" في إسرائيل، ونكبة جديدة، وإبادة جماعية غير مسبوقة بالنسبة للفلسطينيين، مؤكدًا أن حجم الأحداث واللقطات المباشرة للفظائع والدمار الذي لا يمكن تحمله لم يسبق لها مثيل.

وقال "إننا نعيش في مرحلة جديدة، حيث ماتت عملية أوسلو المقيتة ودُفنت، وحيث تشتد حدة الاحتلال والاستعمار والعنف، وحيث يُداس القانون الدولي، وتتحرك الصفائح التكتونية الثابتة ببطء".

وأردف: "إن الفظائع التي نشهدها لا يمكن فهمها حقًا، إلا باعتبارها مرحلة كارثية جديدة من حرب مستمرة منذ عدة أجيال".

وكشف أنه بصدد طرح كتاب جديد باسم "حرب المئة عام على فلسطين" مشيرًا إلى أن الأحداث التي وقعت في فلسطين منذ عام 1917 نتجت عن حرب متعددة المراحل، شنتها القوى العظمى الراعية للحركة الصهيونية على السكان الفلسطينيين الأصليين، وهي حركة كانت استعمارية استيطانية في الوقت نفسه، بالإضافة إلى الحركة القومية التي تهدف إلى استبدال الشعب الفلسطيني في وطن أجداده، وتحالفت هذه القوى فيما بعد مع الدولة القومية الإسرائيلية التي انبثقت عن تلك الحركة.

وشدد الخالدي على أن الفلسطينيين قاوموا بشدة اغتصاب بلادهم طوال هذه الحرب الطويلة؛ ما يفسر الإطار التاريخي والوحشية التي شهدناها منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

الإمبريالية

ورأى الكاتب أن "ما نشهده ليس مجرد صراع قديم بين العرب واليهود، مستمر منذ زمن سحيق، وليس مجرد صراع بين شعبين، إنما هو نتاج حديث لاقتحام الإمبريالية الشرق الأوسط، وصعود قوميات الدولة القومية الحديثة، العربية واليهودية منها على حد سواء".

وتابع: " إن الصراع نتاج الأساليب الاستعمارية الاستيطانية الأوروبية العنيفة، التي استخدمتها الصهيونية، لتحويل فلسطين إلى أرض إسرائيل، على حد تعبير أحد القادة الصهيونيين الأوائل، زئيف جابوتنسكي؛ وهو نتاج المقاومة الفلسطينية لهذه الأساليب".

وأوضح الكاتب، أن "هذه الحرب لم تكن قط حربًا عادلة بين الصهيونية وإسرائيل من جهة، والفلسطينيين من جهة أخرى، وكانت مدعومة في بعض الأحيان من قبل جهات فاعلة عربية وغيرها".

وأردف: " لقد انطوت هذه الحرب دائمًا على تدخل هائل من جانب القوى العظمى إلى جانب الحركة الصهيونية وإسرائيل: بريطانيا حتى الحرب العالمية الثانية، والولايات المتحدة وغيرها منذ ذلك الحين".

وشدد على أن هذه القوى العظمى لم تكن قط وسيطًا محايدًا أو نزيهًا في الصراع، لكنها كانت دائمًا مشاركًا نشطًا في هذه الحرب دعمًا لإسرائيل، مثلما لم يكن هناك أي تكافؤ بين الجانبين، بل بدلًا من ذلك اختلال كبير في التوازن لصالح الصهيونية وإسرائيل.

ورأى الكاتب أن ذلك تأكد بشكل صارخ من خلال الأحداث التي تلت 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، مع وجود اختلال واضح بتوازن القوى في المستويات غير المتناسبة من الموت والدمار والتشريد، حيث تبلغ نسبة القتلى الفلسطينيين إلى الإسرائيليين الذين قتلوا حتى الآن حوالي 25 إلى 1.

وتابع الخالدي: "وفي حين أن تصرفات حماس وإسرائيل منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي قد تبدو وكأنها تمثل تغييرًا أو خروجًا، إلا أنها تتسق مع عقود من التطهير العرقي الإسرائيلي والاحتلال العسكري وسرقة الأراضي الفلسطينية، ومع أعوام من الحصار والحرمان لقطاع غزة، ومع عنف في كثير من الأحيان".

تأثير مؤلم

وشدد على أنه مهما كانت الطريقة التي ستنتهي بها هذه الحلقة من الحرب الطويلة على فلسطين، فمن الواضح أنها خلفت تأثيرًا مؤلمًا عميقًا على كل من الفلسطينيين والإسرائيليين، بسبب العدد الاستثنائي للقتلى والجرحى والمفقودين والأسرى والمعتقلين؛ والدمار غير المسبوق للمنازل والبنية التحتية في قطاع غزة؛ والعدد الكبير من الأسر المتضررة، خاصة بين الفلسطينيين؛ والأثر النفسي الشديد لهذه الأحداث.

كما شدد على أن هذا التدفق الذي لا ينتهي من صور الدمار الذي لحق في غزة، والخسائر الهائلة في الأرواح، وعشرات العائلات التي تم القضاء عليها بالكامل بسبب استهداف الذكاء الاصطناعي الإسرائيلي، والمجاعة والمرض الناجمين عن القيود الإسرائيلية الخانقة على عبور المياه والغذاء والدواء والوقود والكهرباء إلى القطاع، والانتهاكات الصارخة للقانون الإنساني الدولي؛ ما أصاب الفلسطينيين في كل مكان بالصدمة.

وأشار الخالدي إلى أن المعاناة التي تفرضها إسرائيل على غزة أدت إلى مزيد من تقليص شرعيتها الضعيفة بالفعل على المستوى العالمي، وبعيدًا عن احتمال تصعيد كبير للحرب إلى أجزاء أخرى من الشرق الأوسط، فإن الهزات الارتدادية قد يكون لها تداعيات طويلة المدى على السياسة الداخلية لإسرائيل والفلسطينيين والدول العربية والإقليمية، وكذلك على مستقبل إسرائيل في المنطقة، وربما حتى نتيجة الانتخابات الرئاسية الأمريكية.

ورأى الكاتب أن هناك أدلة كثيرة على أن الحكومة الإسرائيلية كانت ترغب في الأصل في استغلال الفرصة التي أتاحتها الحرب لتنفيذ المزيد من التطهير العرقي بحق الفلسطينيين، سواء عن طريق طردهم إلى مصر أو الأردن.

ولفت إلى أن الولايات المتحدة حاولت بشكل مخز إقناع البلدين بذلك، وهو ما رفضت كل من مصر والأردن القيام به بشكل قاطع، فيما لايزال الفصيل الاستيطاني القوي داخل الحكومة الإسرائيلية يؤيد ذلك، وربما يأمل في إعادة توطين قطاع غزة.

أفق غامض

وبين الكاتب أنه في ضوء الأثر المدمر الذي خلفه هجوم حركة حماس على إسرائيل، ورغم الخسائر الفادحة التي خلفها الرد الإسرائيلي، فمن غير المرجح أن تختفي فلسفة "المقاومة المسلحة" التي تتبناها حماس، طالما لا يوجد احتمال لإنهاء الاحتلال العسكري والاستعمار وقمع الفلسطينيين.

وقال: "إذا كانت التوقعات الإسرائيلية غير واضحة، فإن الأفق السياسي للفلسطينيين بعد الحرب غامض أيضًا".

ورأى أن أحد الثوابت في هذه الحرب التي دامت 100 عام، هو أنه لم يُسمح للفلسطينيين باختيار من يمثلهم، وكما كان الحال في الماضي، فإن تفضيلاتهم قد تكون غير مقبولة بالنسبة للقوى الموجودة، سواء إسرائيل أو الدول الغربية أو العرب.

ورأى أن من المرجح أن تحاول هذه القوى مرة أخرى فرض اختيارها على من يمثل الفلسطينيين، ومن لا يسمح له بذلك، مع عدم وجود صوت للفلسطينيين أنفسهم في هذا القرار.

وحذر الكاتب من أنه "في غياب الاتفاق الفلسطيني على صوت سياسي موحد وذي مصداقية يمثل الإجماع الوطني، فإن هذا يعني أن القرارات الحاسمة بشأن مستقبلهم سوف تتخذها قوى خارجية، كما حدث مرات عديدة في الماضي".

وفيما تقول إسرائيل إن الحرب موجهة لحماس حصرًا، لفت الكاتب إلى أن أغلب المراقبين الذين لم تعمهم هذه الرواية الإسرائيلية الكاذبة، يرون أن هذه الحرب موجهة ضد سكان غزة في شكل من أشكال العقاب الجماعي.

وأردف: "منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول، كشف التعاطف القوي لشعوب الدول العربية مع الفلسطينيين، ودعمهم العلني لقضيتهم عن الجهل المتعمد لصانعي السياسات الغربيين والإسرائيليين والنقاد الذين زعموا أن قضية فلسطين ليست مهمة للعرب، ويمكن تجاهلها".

جندي إسرائيلي أصيب في غزة أثناء نقله إلى مستشفى في تل أبيب الأناضول

قيمة غير متساوية

وتطرق الكاتب إلى بروز قيمة غير متساوية بين حياة العرب وحياة الإسرائيليين منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وأنتج هذا المعيار المزدوج الفظيع أجواء سامة وقمعية في الأماكن التي تهيمن عليها هذه النخب في الولايات المتحدة، وبدرجة أقل في أوروبا، لاسيما في الساحة السياسية والشركات ووسائل الإعلام والجامعات.

وشدد على أن النخب السياسية والإعلامية وغيرها من النخب الغربية، التي ترعى هذا المناخ الكارثي من القمع، أظهرت أنها تعتبر قتل المدنيين الإسرائيليين أمرًا يستحق الاهتمام أكثر من قتل 25 ضعفًا من المدنيين الفلسطينيين.

وختم الكاتب قائلًا: "إن دعوات الإدارة الأمريكية لحل الدولتين كانت جوفاء، ولم تكن هناك أي إشارة إلى أن الولايات المتحدة ستطالب بتنفيذ المتطلبات الأساسية لمثل هذا الحل بإنهاء الاحتلال والتوصل إلى حل دائم ومستدام، حل يقوم على تفكيك هياكل القمع والتفوق، وعلى العدالة والحقوق المتساوية تمامًا والاعتراف المتبادل".