مدريد.. جوهرة أوروبا التي شيدها العرب لدواع عسكرية (فيديو إرم)

محمد الرخا - دبي - الأربعاء 10 أبريل 2024 11:09 صباحاً - من يتجول وسط مبانيها التاريخية المهيبة، وتماثيلها الأنيقة، ومنتزهاتها التي تضم روائع الحدائق والأزهار، ومطاعمها الفاخرة، وأسواقها العامرة، ربما لا تخطر بباله حقيقة بسيطة للغاية هي أنّ تلك المدينة التي تخطف الدهشة من عيون الغرباء بناها العرب بل ومنحوها اسمها وهويتها قبل قرون بعيدة وفق دواع عسكرية بحتة.

Advertisements

تقع العاصمة الإسبانية في قلب شبه الجزيرة الإيبيرية لتُمنح جمال الطبيعة الخلابة، أما نهر "مانثاناريس" الذي يشق طريقه وسطها، متأنيا دون تعجل، فيهبها سحرا أخاذا وطقسا بديعا. وإذا كانت مدريد تعد واحدة من أهم وجهات العالم السياحية نظرا لموروثها الثقافي الشهير مثل متحف "إلبرادو" الذي يعد منافسا قويا لمتحف "اللوفر" في باريس، فإنها تتيه على الدنيا بامتلاكها درة أندية كرة القدم العالمية من حيث الميزانية والثراء وهو نادي "ريال مدريد".

وتتعدد النظريات في أصل تسمية المدينة بهذا الاسم، فمن قائل إنه يعود إلى الاسم القديم لنهرها وهو "ماتريس" في زمن الإمبراطورية الرومانية، وهناك من قال إنه يأتي فعلا من كلمة "ماتريس" لكن بمعنى "منبع" في اللغات القديمة. ويذهب فريق ثالث إلى أنه يأتي من الكلمة العربية "مجرى". في مقابل تلك الافتراضات التاريخية، هناك ترجيح واسع بين معظم الباحثين على أن اسم مدريد جاء من كلمة "مجريط" التي اشتُقت بدورها من حاصل دمج الكلمة العربية "مجرى" ونظيرتها اللاتينية "إيتو" بمعنى "الكثرة" أو"الوفرة"، على خلفية انبهار العرب حين وطأت أقدامهم المدينة بكثرة الأنهار والمياه العذبة النقية التي تسيل بوفرة في جداول عديدة قادمة من قمم الجبال بعد ذوبان الثلوج، اندمجت الكلمتان لتصبح "مجريتو"، ثم "مجريط"، ومن ثم "مدريد".

ورغم أن جذور المدينة عُرفت في زمن الرومان إلا أنها لم تخرج عن كونها امتداد مترامي الأطراف دون سكان أو عمران حقيقي. وكان على المدينة أن تنتظر حتى القرن التاسع الميلادي حين يقرر العرب وضع لبنتها الأولى لدواع عسكرية في خضم الحروب المشتعلة بين ممالكهم في بلاد الأندلس وبين أعدائهم الكثر شرقا وغربا. حدث ذلك حين قرر أمير قرطبة "محمد الأول" بناء مدينة صغيرة تكون بمثابة قاعدة عسكرية متقدمة لصد هجمات أعدائه في الجبهة الشمالية. واختار الأمير أن يجعل نواة المدينة عبارة عن قصر يشبه الحصن أو القلعة، واختار موضعه في نفس البقعة التي أنشئ فيها حاليا القصر الملكي الشهير في العاصمة الإسبانية.

كانت "مجريط" مدينة محدودة المساحة في بادئ الأمر إلى درجة أنه كان يشار إليها باعتبارها "المُدَيْنَة"، أي المدينة الصغيرة، والمدهش أن تلك الكلمة "المُدَيْنَة" التصقت بأشهر كاتدرائية في مدريد وهي "كاتدرائية ألمودينا"، كما أنّ كثيرا من فتيات العاصمة أصبح اسمهن "ألمودينا". وسرعان ما تكوّن حول القصر/ القلعة مجتمع عمراني من الأسواق والمحال ثم الطرق ليصبح الأمير القرطبي هو المؤسس الفعلي للعاصمة الإسبانية في صورتها الأولى.

واندثرت جميع الآثار العربية بالمدينة تقريبا باستثناء أطلال وبقايا سور القلعة التي بناها الأمير محمد الأول، فضلا عن أثر آخر صغير للغاية يفاجئ الزائر وسط المدينة بشكل عابر دون لافتات كافية تحتفي به أو تدل عليه وهو "باب القلعة" أو "بويرتا ديل كالا"، والكلمة الأخيرة "كالا" مشتقة من الأصل العربي "قلعة".

وتضم المدينة بين جنباتها قائمة طويلة من المعالم المدهشة ذات الشهرة العالمية التي تجذب الزوار منها متحف "رينا صوفيا"، و منتزه "ريتيرو" بحدائقه وبحيراته الخلابة، فضلا عن الساحات والتماثيل التي تعد بمثابة متاحف مفتوحة مثل "بلازا دي سيبيليس"، و"بلازا مايور مدريد".