ابن النفيس.. ريادة طبية غيَّرت وجه العلم

محمد الرخا - دبي - الثلاثاء 9 أبريل 2024 10:06 صباحاً - "وأما نصرة الحق وإعلاء مناره، وخذلان الباطل وطمس آثاره، فأمر قد التزمناه في كل شيء" هذا ما قاله أبو الحسن علاء الدين علي بن أبي الحزم (1210- 1288م) المعروف بابن النفيس، وبقي سائراً على هذا النهج طيلة حياته؛ وهو ما جعل منه عالماً موسوعياً في الطب واللغة والفلسفة والحديث.

Advertisements

والتزامه بإحقاق الحق جعله يجاهر بأخطاء سابقيه من العلماء، ويحقق اكتشافات ذات قيمة عليا، حتى أن آراءه الطبية على وجه الخصوص غيَّرت وجه هذا العلم، وأتاحت للأحقيه تطوير ما أسس له من معارف جديدة.

كان لابن النفيس الأسبقية في اكتشاف الدورة الدموية الرئوية الصغرى (الدوران الرئوي) في كتابه المسمى "شرح تشريح القانون"، وذلك قبل الطبيب البريطاني وليام هارفي بعدة قرون، حيث أكد فيه مدى العلاقة بين علم التشريح وعلم وظائف الأعضاء (الفيزيولوجيا).

كما صحح ابن النفيس أخطاء جالينوس وابن سينا في كلامهما عن تشريح القلب، وهو أول من تكلم عن تغذية العضلة القلبية من الشرايين الإكليلية أو التاجية، ودعا إلى دراسة ما يدعى "التشريح المقارن" لفهم التشريح البشري، وكان مبدعاً في حديثه عن وظيفة الإبصار في العين، إذ يقول "إن العين آلة للبصر، وليست باصرة، وإلا لرُئي الواحد بالعينين اثنين، وإنما تتم منفعة هذه الآلة بروح مدرك يأتي من الدماغ".

وحسبما جاء في "موسوعة الملك عبدالله بن عبد العزيز العربية للمحتوى الصحي" كان لابن النفيس نظريات صائبة في فيزيولوجيا الرؤية، وهو يفرق بين فعل الإبصار والتخيل، ويقول إن لكل من هذين الفعلين مركزاً خاصاً في الدماغ، وفي كلام ابن النفيس عن القرنية يقول إنها مؤلفة من أربع طبقات، وإنها شفافة "لا تحتوي على عروق دموية لئلا يتغير إشفافها".

ويعارض ابن النفيس ابن سينا في غذاء القلب، ويقول "وجعله للدم الذي في البطن الأيمن منه يتغذى القلب لا يصلح البتة، فإن غذاء القلب إنما هو من الدم المنبث منه من العروق المنبثة في جرمه…". وبذلك تكون نظرية هذا العالم الدمشقي سابقة لادعاء الطبيب الإيطالي ريالدو كولومبو بأنه مكتشف هذه النظرية.

كما يعتبر ابن النفيس أول من أشار إلى الاعتدال في تناول الملح، وقدّم أدق الأوصاف عن أخطاره وتأثيره في ارتفاع ضغط الدم، وأبدع في تشريح الحنجرة وجهاز التنفس والشرايين ووظائفها.

ولد ابن النفيس في دمشق عام 1210م، وتعلم في البيمارستان النوري الكبير بدمشق، الذي أنشأه السلطان العادل نور الدين محمود بن زنكي في القرن السادس الهجري/ 12 الميلادي، كما كان معاصراً لمؤرخ الطب الشهير ابن أبي أصيبعة، صاحب كتاب "عيون الأنباء في طبقات الأطباء"، ودرس معه الطب على مهذب الدين عبد الرحيم بن الدخوار.

سافر ابن النفيس إلى مصر، ومارس الطب في المستشفى الناصري، ثم في المستشفى المنصوري الذي أنشأه السلطان قلاوون، وأصبح عميد أطباء هذا المستشفى، وكان يحضر مجلسه بداره جماعة من أمراء القاهرة ووجهائها، فضلاً عن أكابر الأطباء فيها، كما أصبح ابن النفيس طبيباً خاصاً لحاكم مصر الظاهر بيبرس، وهو الذي عينه رئيساً للأطباء في الديار المصرية، له السلطة لمحاسبة الأطباء ومراجعتهم في أخطائهم.

له في الطب الكثير من الكتب التي جعلت منه صاحب أضخم موسوعة طبية في التاريخ ومنها نذكر كتب: "المهذب في الكحل المجرب في طب العيون"، "المختار في الأغذية"، "شرح فصول أبقراط"، "شرح تقدمة المعرفة"، "شرح مسائل حنين بن إسحق"، "الموجز في الطب"، "شرح قانون ابن سينا"، "بغية الفطن من علم البدن"، "الشامل في الطب" ويتألف من ثلاثمئة مجلد.

كما درس هذا العالم الدمشقي الفقه الشافعي أيضاً، وكتب العديد من الأعمال في الفلسفة، وكان مهتماً بالتفسير العقلاني للوحي، ومن كتبه فيها "الرسالة الكاملية في السيرة النبوية"، كما درس اللغة والمنطق والأدب.

وقيل في وصف ابن النفيس إنه كان شيخاً طويلاً، نحيفاً، ذا مروءة، فأوقف داره وكتبه وكل ماله على البيمارستان المنصوري، وكانت طريقته في التأليف أن يكتب من حفظه وتجاربه ومشاهداته ومستنبطاته، وقلّ أن يراجع أو ينقل.