قراءة في الموقف الإماراتي من الحرب على غزة

محمد الرخا - دبي - الاثنين 8 أبريل 2024 10:17 صباحاً - عمر عليمات*

Advertisements

منذ بدايات الحرب في غزة أوائل أكتوبر الماضي، وما تلا ذلك من تشعبات سياسية وإنسانية ألقت بظلالها على المشهد السياسي العالمي والإقليمي، تطورت مواقف الدول العالمية والإقليمية المنخرطة في الأزمة بشكل ينسجم مع المستجدات الحاصلة، وتأثيراتها المرتبطة بأمن واستقرار الإقليم بشكل عام، وقبل ذلك ارتباطها بتفاقم الكارثة الإنسانية التي يواجهها المدنيون في قطاع غزة.

دولة الإمارات ومنذ بدايات الحرب انخرطت بشكل مباشر مع الأزمة، إدراكاً منها للتداعيات الخطيرة التي ستفرزها الحرب على الشعب الفلسطيني أولاً، وعلى الاستقرار والأمن الإقليمي ثانياً، وقد كان انخراطها مكثفاً خاصة وأنها كانت تشغل مقعد عضو غير دائم في مجلس الأمن الدولي؛ أي أنها تمثل المجموعة العربية في المنظمة.

منطلقات الموقف الإماراتي

ينطلق الموقف الإماراتي مما يجري في غزة بشكل خاص، وفيما يتعلق بمجمل القضية الفلسطينية من عدة منطلقات رئيسة، وهي منطلقات منها ما هو متجذر في السياسة الخارجية الإماراتية تجاه فلسطين، ومنها ما هو متطور ومرتبط بالأحداث الحالية:

1-  البُعد العربي، تنطلق الإمارات في تعاملها مع الأزمة من منطلق اهتمامها وتركيزها على القضايا العربية؛ إذ إن هناك قناعة تامة لدى الإمارات بأن العمق العربي محور استراتيجي في سياستها الخارجية وتوجهاتها العامة، وهذا توضحه حالة التنسيق المكثف مع العواصم العربية المنخرطة بالأزمة بشكل وثيق، وخاصة مع كل من الأردن ومصر باعتبارهما الأكثر تشابكاً مع القضية الفلسطينية.

2-  البُعد الأخلاقي، الإمارات لديها موقف واضح من القضية الفلسطينية، يتمثل في دعمها للحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وإقامة دولته المستقلة ذات السيادة على حدود الرابع من يونيو لعام 1967، وأن حل الدولتين هو الطريق الوحيد للسلام والخروج من الحروب المتتالية في دائرة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.

3-  البُعد الإنساني، تؤمن الإمارات تماماً بمبدأ حماية المدنيين وعدم الزج بهم في أتون الصراعات والحروب، وحفظ أرواحهم وسلامتهم، وتقف دائماً إلى جانبهم بصرف النظر عن أي مواقف سياسية.

4-  البُعد الجيوسياسي، الإمارات منخرطة تماماً ولها جهود عديدة فيما يتعلق باستقرار المنطقة؛ إذ ترى أن الاستقرار ركيزة أساسية لتنمية المنطقة وإخراجها من دائرة عدم الاستقرار الذي ميزها منذ عقود طويلة.

التحرك السياسي والدبلوماسي الإماراتي

استناداً إلى هذه المنطلقات جاء التحرك الإماراتي المباشر والانخراط المكثف بالأزمة منذ بداياتها، وقد حظي هذا التحرك باهتمام مباشر من رئيس الدولة، الذي قام بحراك دبلوماسي مكثف مع العديد من قادة الدول الأجنبية والعربية، لحشد الجهود الدولية لمنع التصعيد واحتواء الأزمة وعدم تفاقمها وتوسع رقعتها الإقليمية.

وفي جميع اتصالاته ولقاءاته أكد على محاور رئيسة تتمثل في أولوية الحفاظ على أرواح المدنيين وعدم الزج بهم في دائرة الصراع، واحترام القانون الدولي الإنساني الذي يضمن حماية حياة وسلامة المدنيين، وضرورة فتح ممرات إنسانية عاجلة لنقل المساعدات الطبية والإغاثية إلى قطاع غزة دون عوائق، ورفض العقاب الجماعي لسكان غزة، ورفض سياسة التهجير القسري للفلسطينيين من غزة، والعمل على منع توسع دائرة الحرب وتطورها إلى حرب إقليمية.

أخبار ذات صلة

الإمارات تدعو مجلس الأمن لاعتماد قرار عاجل بوقف إطلاق النار في غزة

وتزامناً مع تحركات رئاسة الإمارات كانت الدبلوماسية الإماراتية، وعبر موقعها في مجلس الأمن، تقود تحركاً عربياً متواصلاً في المجلس من أجل وقف إطلاق النار، وضمان إدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة، والتصدي للكارثة الإنسانية، وقد قدمت الإمارات خلال عضويتها في المجلس العديد من مشاريع القرارات المرتبطة بوقف إطلاق النار لدواع إنسانية، وحشد الجهد الدولي من أجل ذلك، وقد كان للزيارة التي قام بها أعضاء من مجلس الأمن الدولي إلى معبر رفح والتي نظمتها بعثة الإمارات، دور كبير وتوضيح مهم لمدى الكارثة الإنسانية، وهذا ما عمّق فهم الاحتياجات الهائلة على الأرض. وقد أثمرت هذه الزيارة عن اعتماد مجلس الأمن الدولي القرار رقم 2720 الذي قدمته الإمارات، ويطالب باتخاذ خطوات جوهرية وملموسة، لزيادة تدفق المساعدات الإنسانية التي يحتاجها الفلسطينيون بشدة في قطاع غزة، وحماية موظفي الأمم المتحدة، والعاملين في المجال الإنساني على الأرض.

التحرك الإنساني والإغاثي الإماراتي

منذ بداية الحرب في غزة، تحركت دولة الإمارات بأذرعها الإنسانية والإغاثية، لتقديم الدعم والمساندة لسكان قطاع غزة، وذلك عبر البدء بجسر جوي إغاثي إلى مدينة العريش المصرية، تمهيداً لإيصال المساعدات إلى القطاع، إضافة إلى مبادرات استقبال الأطفال الجرحى والمصابين بالسرطان وعلاجهم في مستشفيات الدولة، ولمأسسة الجهد الإماراتي، وجه الرئيس الإماراتي وزارة الدفاع بإطلاق عملية "الفارس الشهم 3" الإنسانية؛ لدعم الشعب الفلسطيني، وفتح باب التطوع للأطباء والمتطوعين للمساهمة في هذا الجهد الإنساني.

وقد حظيت المبادرات الإنسانية التي تم تنفيذها ضمن عملية الفارس الشهم باهتمام كامل من الرئيس الإماراتي، بحيث تكون هذه المبادرات نوعية، ولا تقتصر على تقديم المساعدات الإغاثية والغذائية، ومن هنا جاء تنفيذ المستشفى الميداني الإماراتي، وتنفيذ محطات تحلية المياه، والعديد من المشاريع والبرامج الأخرى.

وفي خطوة مهمة للتصدي لعرقلة وصول المساعدات الإنسانية عبر المعابر البرية إلى غزة، حشدت الإمارات جهودها مع قبرص، والاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، ودول أخرى، لإقامة ممر بحري لتوصيل مزيد من المساعدات إلى غزة عبر البحر المتوسط، وتعتبر الإمارات الممول الرئيس للمساعدات عبر الممر البحري، بالتوازي مع ذلك تقوم الدولة بتنفيذ عملية إسقاط المساعدات الجوية عبر الطائرات العسكرية، وذلك بالتنسيق والتعاون مع عدد من الدول العربية والصديقة. 

أخبار ذات صلة

وفد طبي إماراتي يصل غزة لإنجاز ترتيبات إنشاء مستشفى ميداني

إدانات متكررة وتصريحات رسمية

منذ بدء التوغل البري الإسرائيلي في قطاع غزة، أصدرت وزارة الخارجية الإماراتية العديد من البيانات والتصريحات الرسمية، التي تدين وتستنكر العملية البرية الإسرائيلية، وترفض دعوات التهجير القسري للفلسطينيين من غزة، واستهداف المقرات التابعة لوكالة الأونروا، واستهداف طواقم المنظمات الإغاثية الدولية ومن أبرزها منظمة المطبخ المركزي الأمريكي؛ إذ أدانت الإمارات بشدة استهداف فريق المنظمة وحمّلت إسرائيل كامل مسؤولية هذا التطور الخطير، وطالبت بتحقيق عاجل ومستقل وشفاف بشأن ما حدث، ومعاقبة المتسببين بهذه الجريمة النكراء، التي تعتبر انتهاكاً صارخاً لقواعد القانون الدولي الإنساني.

وحملت البيانات الرسمية الإماراتية موقفاً واحداً وثابتاً وهو رفض العقاب الجماعي لسكان غزة، والوقوف بوجه أي محاولات للتهجير القسري، وضرورة وقف إطلاق النار، وتسهيل عملية دخول المساعدات الإنسانية دون أي عراقيل، وفتح الممرات البرية.

قراءة في الموقف السياسي والإنساني

مما سبق، ومن خلال قراءة الموقف الإماراتي من الحرب في غزة، سواء تحركها السياسي والدبلوماسي، أو الإنساني والإغاثي، يتضح تماماً لنا الموقف المساند والداعم للفلسطينيين، وذلك انطلاقاً من موقفها الثابت في إقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود الرابع من حزيران 1967 ضمن مبدأ حل الدولتين، ودعم موقف الأردن ومصر الرافض لأي محاولات للتوسع والتهجير، باعتبارهما منخرطتين ومتشابكتين مباشرة مع ما يحدث في فلسطين.

ويأتي الموقف المتقدم للإمارات من الأزمة ضمن ثلاثة محددات رئيسة، الأول وهو أن الاستقرار في المنطقة مرتبط بشكل كبير بحل القضية الفلسطينية من خلال إعطاء الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وأن أي محاولات للاستفادة من الأحداث الجارية لتنفيذ مشاريع مرتبطة بالتهجير والتوسع، ستعزز من عدم استقرار المنطقة، والبقاء ضمن حلقة الحروب المتتالية.

ويتمثل المحدد الثاني في الأمن والسلم الإقليمي؛ إذ ترى الإمارات أن توسيع الصراع ليشمل مناطق أخرى في المنطقة، قد يؤدي إلى عواقب وخيمة، تنعكس على مجمل دول المنطقة، والانزلاق نحو صراع واسع في الشرق الأوسط.

أما المحدد الثالث فهو البعد الإنساني؛ فالإمارات دولة لطالما كان فيها البُعد الإنساني عنصراً رئيساً في سياستها الخارجية، وهي ترفض تماماً أي مسوغات لاستهداف المدنيين والزج بهم في الصراعات.

* إعلامي وكاتب متخصص بقضايا الشرق الأوسط