محمد الرخا - دبي - السبت 6 أبريل 2024 10:10 صباحاً - ينطوي اسمها على جرس موسيقي شديد العذوبة يحيل إلى آفاق وفضاءات رومانتيكية لكن إطلالة واحدة عليها تؤكد أنّ لها من اسمها نصيبًا كبيرًا بدليل طرزها المعمارية الفريدة وقبابها الذهبية وتماثيلها المبهرة وجذورها التاريخية التي تعود إلى ما قبل الميلاد.
وتعني عشق آباد "المدينة التي بناها الحب" أو "المدينة المحبوبة". ويطلق عليها كثيرون كذلك "مدينة الرخام الأبيض"، حيث تحتوي على مئات المباني المكسوة بهذا الرخام المستورد من إيطاليا والذي يجعلها مثل أيقونة من الجمال الباذخ غارقة في حس ملائكي شديد النقاء والرهافة.
هي عاصمة تركمانستان وأكبر مدنها وإحدى بقاع الجمال الساحرة في منطقة آسيا الوسطى ككل، تمتلك غطاء طبيعيًا من المناظر الخلابة زاده عمقًا وتنوعًا وقوعها في الوسط الشرقي من البلاد وتحديدًا بين سلسلة جبال "كوبت داغ " وصحراء "قراقوم".
وعلى عكس مدن العالم التي كانت قديمًا تخشى فقط الغزاة، كُتب على المدينة أن تخشى كذلك غضب الطبيعة المتمثل في الزلازل المدمرة. يعود تاريخها إلى أنقاض مدينة أخرى بُنيت في نفس الموضع اسمها " كونجيكالا" ازدهرت في القرن الثاني قبل الميلاد بسبب وقوعها على "طريق الحرير" الذي كان يربط الشرق والغرب تجاريا لكن المدينة تعرضت إلى زلزال مدمر في القرن الأخير قبل الميلاد و أعيد تشييدها لدورها التجاري الحيوي.
ظلت المدينة القديمة مزدهرة إلى أن تعرضت للدمار الشامل على يد المغول في القرن الثالث عشر لتتحول إلى قرية صغيرة من الأطلال التي تعيش على أمجاد الماضي الغابر. وفي 1881، كانت على موعد جديد وحقبة مختلفة حيث خضعت للسيطرة الروسية في عهد الإمبراطورية القيصرية واصبحت قاعدة عسكرية متقدمة لها وظهر لأول مرة اسمها الجديد.
وفي 1924، أصبحت عاصمة تركمانستان وظلت كذلك بعد أن نالت البلاد استقلالها في العام 1991.
وفي 1948 كانت على موعد مع زلزال آخر أشد عنفا وتدميرا، تتراوح قوته من 9 إلى 10 على مقياس ريختر، وصفته هيئة "اليونسكو" بالأخطر في القرن العشرين، حيث قتل 170 ألف شخص وفق بعض التقديرات، كما محى ما يقرب من 90% من مبان المدينة.
وأدلى المهندس المدني السوفيتي "رومان كفيتنيتسكي" بشهادته حول تلك الكارثة، قائلا: "فجأة حدثت هزة رأسية قوية، تلتها هزتان أفقيتان بقوة كبيرة تسببتا في تدمير المدينة، ثم كان هناك توقف مؤقت، وتبع ذلك عدد من الهزات الأخرى بقوة أقل بين 6-7 درجات، قضت على ما تبقى من المدينة". وأكد شهود عيان أن المدينة تعرضت إلى ما بين 17 إلى 20 هزة متتابعة.
كان على المدينة أن تمسح عنها دموع الألم والذكريات لتصنع البهجة والفارق في 2013 حين دخلت موسوعة "غينيس للأرقام القياسية" العالمية لاحتواءها على نسبة من مباني الرخام الأبيض أكثر من أي مدينة أخرى في العالم. وبحسب الموسوعة، تضم عشق آباد التي تبلغ مساحتها 22 كم فقط، 543 مبنى مكسوا بـ4.5 مليون متر مكعب من الرخام الأبيض. وإذا وُضع هذا الرخام على الأرض فسيغطي ما يقرب من ربع مساحة عشق آباد.
وتحمل هذه العلاقة الخاصة مع اللون الأبيض قوانين خاصة وتنظمها لوائح صارمة تحظر، على سبيل المثال، الطلاء بغير هذا اللون في أي مبنى حكومي أو سكني أو إداري، كما أن سيارات التاكسي كلها بيضاء اللون.