"ابن الهيثم".. أبو الفيزياء الحديثة ومؤسس علم البصريات

محمد الرخا - دبي - السبت 6 أبريل 2024 08:14 صباحاً - حظي العالم المسلم ابن الهيثم بالكثير من الألقاب، منها "أمير النور" و"أبو الفيزياء الحديثة" و"مؤسس علم البصريات" و"رائد المنهج العلمي التجريبي" و"بطليموس الثاني" و"فيزيائي القرون الوسطى".

Advertisements

وابن الهيثم هو علي أبو علي الحسن بن الحسن بن الهيثم، المولود في البصرة عام 965 للميلاد.

أما في أوروبا فعُرِف باسم "الهازِن" بمعنى الحَسَن، وتمّ فيها الإعلاء من قيمة بحوثه العلمية مع الإشادة بنظرياته ومناهجه، لا سيما كتابه "المناظر" الذي ظل المرجع المعتمد في الغرب حتى القرن السابع عشر.

ونشأ ابن الهيثم في بصرة العراق، وعاصر مجموعة من كبار العلماء في مرحلة أعقَبت حركة الترجمة لأصول العلوم الإغريقية، التي شكّلت مصدراً للعلم وعلمائه القدماء، ومنطلق حركة الإبداع الفكري.

كان في مرحلة شبابه شديد الملاحظة مُتلهّفا للعلم واسع الاطلاع، نَهل من مختلف العلوم المتوفرة في عصره، كما كان خبيرا بعلم الطب، لكنه لم يباشره عملا، ولم يتدرب على فنونه.

أخبار ذات صلة

ابن سينا.. أرسطو العرب وأمير الأطباء

بعد خروجه من البصرة، انتقل إلى الشام وأغنى معارفه فيها، ثم انتقل إلى مصر الفاطمية، وكان يجلس إلى علمائها ويقرأ في مكتباتها، ويحضر مناظراتها العلمية في "دار العلم"، وهناك طالع كتابات العلماء السابقين خاصة علماء اليونان، وكرّس حياته لدراسة علومهم، وتعمّق في استكشاف الكتب الفلسفية، خاصة أعمال أرسطو.

وقال في ذلك: "فلما تَبيّنت، أفرغت وسعي في طلب علوم الفلسفة، وهي ثلاثة علوم: رياضية وطبيعية وإلهية، فتعلقت من هذه الأمور الثلاثة بالأصول والمبادئ، التي مَلَكتُ بها فروعها".

عمل ابن الهيثم في مستهل حياته كاتب حسابات في إمارة البصرة، كما عمل على وضع تصميمات لبيوت أهل البصرة، وفي الشام كان يكسب رزقه من نسخ الكتب المترجمة للورّاقين، لما عُرِف به من حُسن الخط ودقة نظامه..

أما في مصر فلم يستطع تنفيذ فكرته الهندسية لمنع فيضان النيل السنوي، لكن الحاكم بأمر الله الفاطمي جعله كاتب حسابات في ديوان الرواتب، واضطر أن يُظهر خبالا في عقله، فَادّعَى الجنون حتى يجد لنفسه مخرجاً من عمله، رغم الامتيازات التي كان يحملها منصبه.

وُضع قيد الإقامة الجبرية 10 سنوات، ووجدها فرصة جيدة ليشغل نفسه بالتحصيل العلمي، إلى أن مات الحاكم، فعاد إلى ما كان عليه، وأقام في دار قرب الجامع الأزهر ليعمل بالتصنيف والتعليم.

لدى ابن الهيثم الكثير من المؤلفات، تتوزع عناوينها بين 88 مقالة في الأخلاق، و89 مقالة في آداب الكتاب، و90 كتاباً في السياسة، كما له 55 عملاً تُعنى بالرياضيات والفلك والبصريات، ومثلها في الهندسة، و10 كتب في الحساب والجبر، و24 كتاباً في موضوعات الضوء ومسائله، وخمسة كتب في الفلك، وفي الطب له "تقويم الصناعة الطبية" بلغت أجزاؤه نحو الثلاثين، إلى جانب مقالة في "الرد على أبي الفرج عبد الله بن الطيب"، و40 كتاباً في الفلسفة والمنطق وعلم النفس والأخلاق وفي الإلهيات واللغة.

أخبار ذات صلة

الشريف الإدريسي.. أطلس العالم و"أبو الجغرافيين"

رسّخ ابن الهيثم منهج الشك العلمي في مقالته "الشكوك على إقليدس"، الذي اتسم بالنقد والمقارنة والتحليل، ثم الاستقراء والقياس، حتى عُرف بأنه رائد المنهج التجريبي، وكذلك اتبع نقد النظريات القائمة مثل فكرة "الأرض هي مركز الكون" لبطليموس، ثم انتهى إلى تأسيس العلم في كتابه "المناظر".

أجرى أهم بحوثه في علم البصريات، واعتُبر مؤلَّفه "المناظر" المكون من 7 مقالات قفزة نوعية في الفيزياء النظرية؛ فقد أثبت بطلان الفكرة التي كانت سائدة بأن العين هي مصدر الضوء، وأكد أنها مُستقبل الضوء، وعُدّ ذلك أحد الاكتشافات الثورية في العصور الوسطى.

كما اكتشف أن الضوء يسير دائماً بخط مستقيم، وحين يعبر ثقباً صغيراً، يشكل صورة مقلوبة على الجدار المقابل، ووضع 9 قوانين لزوايا الانعطاف، وسبق نيوتن في نظريته عن سرعة الضوء بـ700 عام، واستخدمت المعلومات التي كوّنها في صنع أول كاميرا في التاريخ، وهي "الكاميرا الثقبية" أو "الحجرة المظلمة".

كان للمصطلحات والتصاميم التي ابتكرها الفضل في صنع الوسائل البصرية الحديثة، مثل التلسكوب والكاميرا الرقمية والعدسات المكبرة، وحتى النظارات الطبية، وكان أول من شرح تركيب العين، مبيّناً أجزاءها وسمّاها بالأسماء المتداولة اليوم، ومنها الشبكية والقرنية والسائل المائي والسائل الزجاجي.

توفي ابن الهيثم في القاهرة، بحدود عام 1039 للميلاد، عن عمر ناهز 76 عاما، ومكان دفنه غير معروف.