البحر أمامهم والعصابات وراءهم.. "الروهينغا" من الموت إلى الموت (وثائقي إرم)

محمد الرخا - دبي - الجمعة 5 أبريل 2024 11:14 صباحاً - "أنا مستعدة للتضحية بحياتي وكلّ ما أملك من أجل استعادة ابني"... إنّها مورجان، لاجئة من الروهينغا تعيش في مخيّم كوكس بازار الذي يقع جنوب بنغلاديش حيث تنتظر عودة ابنها الذي لم تعد تعرف عنه شيئًا.

Advertisements

يعد ذلك المخيّم أحد أكبر مخيّمات اللجوء في العالم، وأحد أكثر الأماكن خطورة، وهو رغم الفقر والمجاعة فيه لا يخلو من العنف والجرائم، بين اغتيالات وقتل إلى حرق المساكن وصولاً إلى الاتجار بالبشر..

هناك لن تحتمل أنت البقاء فيه لدقائق معدودة، لكنَّه يأوي قرابة المليونِ لاجئ من المسلمين الروهينغا. فماذا يحصل في أكثر بقع الأرض تهميشًا وجوعًا فيما العالمُ كلُّه في غفلة عن هؤلاء المساكين؟.

الروهينغا.. الأقلية المنسية

من موت إلى آخر.. إنّها الحقيقة، إذ يبدو اللاجئون الروهينغا محاصرين منذ نحو 8 أعوام في ذلك المخيّم الذي تنتشر فيه العصابات، وهم الذين هربوا من الإبادة الجماعية في ولاية راخين بميانمار.

مورجان لاجئة من الروهينغا فُقد ابنها خلال ذهابه عبر قوارب إلى ماليزيا الخليج 365

تدهور أوضاع الروهينغا في المخيّم - حيث بلغ الفقر ذروته لتبتسم المجاعة على أجساد الأطفال والنساء والمسنّين - دفع الكثيرين إلى البحث عن حياة جديدة في مكان آخر رغم المخاطر الكبيرة أثناء محاولة الهروب من المخيم في بنغلاديش.

لكن في حقيقة الأمر، فالرياح لم تجرِ كما كانت تشتهي سفن الكثيرين منهم، إذ وقعوا في أيدي تجّار البشر، قُتل بعضهم، اغتُصب آخرون، فيما الكثيرون في عداد المفقودين.

موقع "الخليج 365" دخل إلى مخيّم كوكس بازار في بنغلاديش لتتبع مسار مافيات الاتجار بالروهينغا، وكي يوثّق مأساةَ بعض ممن وقعوا ضحايا الاتجار بالبشر.

رحلة في عتمة الليل

منتصف الليل حيث يغرق المخيم في العتمة والهدوء، هو التوقيت الأنسب بالنسبة للمهرّبين.. حينها يبدأ المئات من الروهينغا مِمَّن نجح المهرّبون بإقناعهم بركوب البحر، بالتسلسل إلى حيث القوارب تنتظرهم، أو بالأحرى حيث سيكونون على موعد مع مصير مشؤوم.

هدف هؤلاء التوجّه إلى ماليزيا وإندونيسيا بعدما ضاقت بهم السبل في مخيم كوكس بازار، حيث لا عمل ولا طعام ولا أمان.

وبينما هم على متن القارب المكتظ، يظنون أنّ رحلة العذاب ستنتهي بمجرد وصولهم إلى الوجهة المرجوّة، لكنْ ما إنْ ينطلق القارب حتّى يصادر المهربون هواتف اللاجئين ليبدأوا بالاتصال بأقاربهم طالبين المال مقابل فكّ أسر ذويهم.

مهاجرون من الروهينغا تركهم المهربون بعدما غرق القارب بينما كانوا في الطريق إلى ماليزياأ ف ب

جميلة خاتون: شقيقتي تعرّضت للاغتصاب مرّتين

جميلة خاتون، لاجئة تعيش في خيمة فقيرة كما بقية اللاجئين في المخيّم.. طوال حديثنا معها لم تتمكن من حبس دموعها حزنًا على شقيقتها التي اختفت بعدما ركبت القارب هربًا من العذاب والاغتصاب الذي تعرّضت له مرّتين.

جميلة خاتون لاجئة من الروهينغا فقدت شقيقتها بينما كانت في الطريق إلى إندونيسيا الخليج 365

تقول جميلة لـ"الخليج 365"، إنّ "المجموعة الإجرامية تقوم بتعذيب الناس واغتصاب النساء والفتيات في المخيّم. عندما علمنا أنّ الفتيات مستهدفات في الغالب، قرّرنا إرسال شقيقتي إلى إندونيسيا حتى لا نحتاج إلى دفع المال أو مواجهة الصعوبات أثناء زواجها".

وتوضح أنّ "المهربين يطالبون العائلات في المخيّم بمبالغ كبيرة مقابل فكّ أسْرهم، فيما لا يملكون معلومات دقيقة بشأنهم، إنْ كانوا محتجزين في البحر أو في الغابات، وفي كثير من الأحيان ينتهي الأمر بالعديد منهم في عداد المفقودين أو المسجونين، أو يموتون على الطريق".

وتتابع: "كنت أحاول الاتصال بالشخص الذي أخذ أختي لكنّ هاتفه غير متاح حالياً. لقد تعهّدت بدفع نحو 1800 دولار عندما تتمكن شقيقتي من الوصول إلى ماليزيا".

وختمت جميلة حديثها مع "الخليج 365" بالقول، إنّ "الأسرة بأكملها تعاني من الاكتئاب لانقطاع المعلومات عن شقيقتي... هناك فتيات كثيرات حملن بعد وصولهن إلى ماليزيا وإندونيسيا، ومعظمهن تحت سن الـ18 عامًا"، مشيرةً أنّه تمّ اغتصاب الفتيات من قبل المهرّبين بينما كنّ في الطريق إلى ماليزيا وإندونيسيا".

وسيط: احتجاز الضحايا في مواقع سرّية

وسيط عمل سابقًا في المخيّم، والذي حصل على نحو 300 جنيه إسترليني عن كلّ شخص تمكّن من إقناعه بالقيام بالرحلة، كان قال إنّ الفدية التي تمّ الحصول عليها أثناء احتجاز الضحايا في مواقع سرّية، كانت جزءًا أساسيًا من العملية رغم أنّ العديد منهم دفعوا مقدّمًا أو أبرموا اتفاقيات للدفع بمجرد وصولهم إلى وجهتهم. إذن، لا يوجد سقفٌ لطلبات المهرّبين المالية، فقد يطلبون فدية تصل إلى 3 آلاف جنيه إسترليني بمجرد أنّ يبدأ اللاجئون رحلاتهم من بنغلاديش إلى جنوب شرق آسيا.

"الخليج 365" تواصل مع عبد الله، وهو اسم مستعار لأحد اللاجئين الروهينغا الذين تمكّنوا من الوصول إلى إندونيسيا عبر تلك القوارب في شهر نوفمبر العام 2023. يرفض الكشف عن هويته حفاظًا على سلامة عائلته التي مازالت داخل مخيّم كوكس بازار، لكنّه يقول إنّه كان شاهدًا على حادثة وفاة امرأة بسبب الجفاف على القارب المكتظ، والذي كان على متنه نحو 300 شخص، موضحًا أنّ السيّدة المتوفّاة أُلقيت في البحر.

سألنا في "الخليج 365" المقرّر الأممي الخاص المعني بشؤون اللاجئين الروهينغا توم أندروز، فأكّد حصول مثل تلك الحالات، قائلاً: "لقد كنت في إندونيسيا العام الماضي، وذهبت إلى المنطقة حيث وجد اللاجئون الأمان، لقد كانوا من بين المحظوظين، وقد وصفوا ظروفهم بأنها كانت مروّعة. أحدهم تحدّث كيف تمّ منح بصلة واحدة لقارب مليء بالروهينغا، كي يتقاسمها جميع من كان متن القارب".

أمير حسين فقد ابنه ولا يعرف عنه شيئًا

أمير حسين لاجئ آخر من الروهينغا يعيش في المخيّم، شأنه شأن الكثيرين ممن فقدوا أبناءهم خلال رحلات قوارب الموت. ينتظر أمير، اليوم، أيّ معلومة يمكن أن تطفئ نار قلبه، ولكن دون جدوى.

أمير حسين لاجئ من الروهينغا لا يعرف شيئًا عن ابنه حتى اليوم الخليج 365

ويقول أمير لـ "الخليج 365": عودة ابني بيد الله، لكنّني لم أتوقف عن البحث عنه ومحاولة الحصول على أيّ معلومات بسيطة كي أعرف مصيره. أحاول التواصل مع الروهينغا في ماليزيا عمّا إذا كان لديهم أي معلومات عن ابني، البعض يقول إنّه قد يكون في سجن ماليزيا أو تايلاند أو بورما... ومن المؤسف جدًا أنه لا أحد من الحكومة أو الأمم المتحدة يستمع إلى طلبنا لمعرفة مصير أبنائنا المفقودين".

لا إحصاءات محددة بشأن المفقودين

بكلّ الأحوال، لا إحصاءات محدّدة بشأن المفقودين حتى الآن، إلّا أنّ المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين كشفت أنّ ما لا يقل عن 569 من الروهينغا ماتوا أو فقدوا في البحر العام الماضي، أثناء محاولتهم الهجرة بشكل رئيس من بنغلاديش، ما يجعل المياه بين خليج البنغال وبحر أندامان واحدة من أكثر المناطق خطورة في العالم.

إصرار هؤلاء اللاجئين على ركوب قوارب الموت أو الاختفاء، دليل واضح على حجم المعاناة داخل المخيمات فيما يتنامى عمل شبكة الاتجار بالبشر، حتّى أنّ قادة مجتمع الروهينغا وسلطات المخيّم يحصلون على أموال مقابل غضّ النظر عن عمل تلك الشبكات.