"فورين أفيرز": تصعيد الهجمات ضد أهداف إيرانية قد يأتي بنتائج عكسية

محمد الرخا - دبي - الخميس 4 أبريل 2024 05:30 مساءً -  قالت زميلة مركز أوكلاهوما بيركل للعلاقات الدولية، داليا داسا كاي، إن إسرائيل تجاوزت خطًّا جديدًا بضربها المجمع الدبلوماسي الإيراني بغارة جوية، دمرت قسما من مجمع السفارة الإيرانية في دمشق وسوته بالأرض؛ ما تسبب بمقتل ما لا يقل عن 12 شخصا والذين كان من بينهم القيادي محمد رضا زاهدي، في استمرار لحرب الظل بين البلدين.

Advertisements

وشددت الكاتبة في مقال نشرته مجلة "فورين أفيرز" الأمريكية، على أن قرار استهداف مسؤولين رفيعي المستوى في ذلك الموقع ربما يعكس اعتقاد الحكومة الإسرائيلية بأن الوقت قد حان للعمل ضد الأهداف العسكرية الإيرانية أينما كانت، مع الإفلات النسبي من العقاب.

ورأت الكاتبة أنه ومن وجهة نظر إسرائيل، فإن إيران مقيدة بالقدر الكافي الذي يصبح فيه الرد على نحو قد يؤدي إلى اندلاع حرب إقليمية لا يمكن السيطرة عليها، أمرًا غير مرجح .

حافة الهاوية

ومن هذا المنظور حذرت الكاتبة من أن الإسرائيليين يقللون من تقدير عجزهم على التنبؤ بالمناخ الإقليمي الحالي، وبأنه قد يتبين أن الهجوم على دمشق كان بمثابة سوء تقدير سيؤدي إلى نتائج خطيرة، ليس فقط بالنسبة لإسرائيل، بل للمنطقة بأكملها أيضاً.

وأضافت الكاتبة أن إسرائيل لم تبدأ حملتها ضد الأهداف المرتبطة بإيران في سوريا منذ هجمات السابع من أكتوبر رغم أنها تكثفت بعد ذلك التاريخ، حيث انخرطت إسرائيل فيما أطلق عليه خبراء أمنيون إسرائيليون اسم "حملة ما بين الحروب" في سوريا لأكثر من عقد من الزمن، كجزء من جهد متواصل لإضعاف الميليشيات المرتبطة بإيران.

وأشارت إلى أن حجم وطبيعة الهجمات الإسرائيلية تحول على مر السنين من التركيز على ضرب مواقع نقل الأسلحة والذخيرة الإيرانية إلى رفع وتيرة استهداف وقتل قادة العمليات والاستخبارات الرئيسيين في إيران، بما في ذلك كبار المسؤولين العسكريين الإيرانيين.

وتابعت: "منذ بداية الحرب في غزة، قتلت إسرائيل كبار قادة ميليشيا حزب الله في لبنان وما لا يقل عن 150 من مقاتلي ميليشيا حزب الله، ردًّا على هجمات الحزب المتعددة بالطائرات بدون طيار والصواريخ المضادة للدبابات على شمال إسرائيل".

وحذرت الكاتبة من أنه وعلى الرغم من أن إسرائيل دأبت في السابق على ضرب أهداف إيرانية في سوريا منذ سنوات، إلا أن هجماتها التي تنفذها منذ السابع من أكتوبر تأتي في توقيت تكون فيه المنطقة بأكملها على حافة الهاوية.

ورأت الكاتبة أن أي هدوء في أعمال العنف في المنطقة من المرجح أن يكون مؤقتاً في ظل استمرار إراقة الدماء والكارثة الإنسانية في غزة.

وأردفت: "وفي هذه البيئة الخطيرة، هناك خطر متزايد من أن تؤدي الضربات الإسرائيلية على أهداف إيرانية إلى نتائج عكسية".

وتساءلت الكاتبة عما يدفع نتنياهو وحكومة الحرب على تكثيف الحملة الإقليمية ضد أهداف إيرانية في ضوء التقلبات الإقليمية المتزايدة، وخصوصا في ضوء رغبة الولايات المتحدة القوية في احتواء الحرب  على غزة وتجنب المواجهة المباشرة مع إيران، وهو ما يفضله أيضا جيران إسرائيل العرب، حسب الكاتبة.

وفي هذا الصدد تقول الكاتبة: "بعد مرور ستة أشهر على الحرب تضاعف إسرائيل حملتها الإقليمية، وهذا هو الامتداد المنطقي لما سماه نفتالي بينيت وزير التعليم الإسرائيلي السابق عام 2018 "بعقيدة الأخطبوط"، حيث تعتقد إسرائيل أنها بحاجة إلى مواجهة إيران بشكل مباشر، وليس فقط ملاحقة وكلائها الذين يعملون كمخالب لأعدائها في جميع أنحاء المنطقة".

نمر من ورق

وتقول الكاتبة، إن بعض المراقبين يعتقدون أن إسرائيل تحاول استفزاز إيران ودفعها إلى الحرب، ولكن ربما يكون هناك منطق معاكس.

فبينما تراهن إسرائيل على أن إيران أصبحت أكثر تحفظا ومحاصرة الآن لأنها تشعر بالقلق من الأعمال الانتقامية التي يمكن أن تؤدي إلى هجوم إسرائيلي مباشر عليها وبأنها في وضع سياسي واقتصادي ضعيف، إلا أن العديد من المحللين يعتقدون أن إيران حصلت على دعم من حرب غزة وتحالفها العسكري المتزايد مع روسيا.

وقد ناقش صناع السياسات والمحللون قدرة إيران على الرد على الهجمات، منذ أن قتلت الولايات المتحدة الجنرال قاسم سليماني قائد فيلق القدس الإيراني، في عام 2020.

وتقول الكاتبة إن هناك حديثا شائعا داخل إسرائيل بأن اغتيال سليماني كشف عن أن إيران هي مجرد نمر من ورق، فقد تعهدت بالانتقام لمقتل سليماني، بينما لم يفعل الإيرانيون في النهاية سوى القليل جدًّا تجاه ذلك.

لكن الكاتبة رأت أن مقتل سليماني عزز في الواقع زيادة التشدد والتهديدات ضد كل من إسرائيل والولايات المتحدة، حيث تشير القدرات المتزايدة للجماعات المسلحة المدعومة من إيران في السنوات الأخيرة إلى أن مقتل سليماني لم يردع أو يقلل بشكل أساسي من قدرة هذه الجماعات المدعومة من إيران على التسبب في أضرار كبيرة في جميع أنحاء المنطقة.

دعم أمريكي

وتحدثت الكاتبة عن منطق مماثل يوجه الحسابات الإسرائيلية فيما يتعلق بواشنطن، وهو أن تعتقد إسرائيل أن بإمكانها الاستمرار في فرض حدود على التصعيد العسكري؛ لأنها تتوقع من الولايات المتحدة أن تظل بعيدة عن طريقها أو حتى أنها قد تدعم ضمنيًّا الإجراءات الإسرائيلية ضد الجماعات التي تهدد أيضًا المصالح الأمريكية.

وفي هذا الصدد رأت الكاتبة أن سجل إدارة بايدن في دعم الأعمال العسكرية الإسرائيلية منذ السابع من أكتوبر الماضي يعزز مثل هذه الافتراضات.

وعلى الرغم من القلق الذي أعربت عنه إدارة بايدن بشأن الحملة الإسرائيلية في غزة، فإن الدعم العسكري والسياسي الأمريكي لإسرائيل لا يزال دون تغيير.

اللعب بالنار

وشددت الكاتبة على أنه ومن خلال افتراض أنها تواجه القليل من القيود في محاولتها إضعاف إيران ووكلائها، فإن إسرائيل تخوض بذلك مخاطرة كبيرة.

وأضافت أن إيران قد تشعر بالحاجة إلى الرد في مرحلة ما ضد إسرائيل بشكل مباشر، ويبدو أنها تواجه ضغوطاً متزايدة في الداخل للقيام بذلك.

وتشير التقارير عن أن مخططات إيران الفاشلة لمهاجمة منشآت دبلوماسية إسرائيلية ومدنيين إسرائيليين في الخارج، إلى أن إيران تحاول الانتقام بشكل مباشر عبر استهداف المصالح الإسرائيلية.

وأشارت إلى أن مليشيات عراقية هاجمت بالفعل إسرائيل، حيث شنت هجومًا بطائرات بدون طيار على قاعدة بحرية إسرائيلية في إيلات في الليلة التي سبقت الضربة الإسرائيلية الأخيرة في دمشق، كما ووجه الحوثيون في اليمن صواريخهم نحو جنوب إسرائيل أيضًا.

وأشارت الكاتبة إلى أنه وبينما قد ترى إسرائيل أن مثل هذه المخاطر يمكن التحكم بها إلا أن الشعور المتزايد بالإفلات من العقاب لا يشكل خطراً على إسرائيل فحسب؛ بل أيضا قد يعرض المصالح والأرواح الأمريكية للخطر بشكل مباشر.

وتقول الكاتبة، إن الجماعات المدعومة من إيران ضمنت منذ عام 2021 أكثر من 80 هجومًا على القوات الأمريكية، إلى أن تم التوصل إلى اتفاق غير رسمي لخفض التصعيد بين إيران والولايات المتحدة في منتصف عام 2023.

لكن هذه الهجمات على القوات الأمريكية استؤنفت وبكثافة أكبر منذ بداية الحرب على غزة.

وخلصت الكاتبة إلى أن حرب غزة تعمل على تعزيز ما سمتها بالحوافز القوية بالنسبة لإسرائيل للقيام بمزيد من التصعيد العسكري مع إيران. 

وأضافت: "كان القادة الإسرائيليون يعملون على افتراض - قبل غزة وبعدها - بأن الصراع مع إيران يمكن أن يظل محصوراً بينما تحقق إسرائيل أهدافها المتمثلة في إضعاف المحور الإيراني، مع تحسين العلاقات مع الدول العربية التي تشعر بالمثل بالقلق من إيران".

وختمت بالقول: "ولكن في خضم الهجوم المتواصل على غزة وقتل المدنيين الفلسطينيين على نطاق لم يكن من الممكن تصوره من قبل، فإن إسرائيل تلعب بالنار، وستدفع إسرائيل ثمناً أعلى لهجماتها أكثر مما توقعته، وفي هذا السيناريو من المرجح أيضا أن تدفع الولايات المتحدة ثمنا كذلك".