محمد الرخا - دبي - الخميس 4 أبريل 2024 10:06 صباحاً - يبدو العنوان مغرقًا في التفاؤل.. فرغم توقيع العرب مئات اتفاقيات التعاون الثقافي والفني فيما بينهم، منذ تأسيس جامعة الدول العربية عام 1945، إلا أنّ إنجازاتهم في هذا المضمار بقيت في حدها الأدنى.
لكن، مع تطور الدراما العربية، وتزايد المسلسلات المشتركة الجامعة لأكثر من بلد عربي في العمل الواحد، تفاءل البعض بإمكانية نجاح الدراما في صياغة مشروع ثقافي يقدم العرب للعالم، ويضع الأسس لوحدة فكرية قد تتبلور مستقبلًا.
ويلاحظ المتابع ارتفاع عدد المسلسلات العربية المشتركة في الأعوام الأخيرة، إذ بلغ عدد الأعمال المشتركة بين لبنان وسوريا، خلال هذا الموسم، 4 مسلسلات هي: "ع أمل، نظرة حب، نقطة انتهى، مسلسل 2024".
نجوم مسلسل صلة رحممتداولة
كما شهدت الدراما المصرية مشاركة ممثلين عربًا، مثل: سوزان نجم الدين ونيقولا معوض، في "الحشاشين"، ونورا في مسلسل "جودر"، وإياد نصار في "صلة رحم"، وعائشة بن أحمد في "بدون سابق إنذار"، وجومانا مراد في "عتبات البهجة"، ونسرين طافش في "بدون مقابل"، وفريال يوسف في "بابا جه".
وفي المقابل، حضر الفنانون المصريون في الدراما الخليجية، حيث ضم مسلسل "زوجة واحدة لا تكفي"، كلًا من ماجد المصري، وآيتن عامر، ونور الغندور، وشيماء يونس، إلى جانب اللبنانية سينتيا صموئيل، والقطرية سحر حسين.
والسؤال في هذا السياق، هل يمكن اعتبار ذلك تبشيرًا بمرحلة مختلفة تبدأ من الدراما؟
قبل أيام، تسبّب الدكتور مهدي دخل الله، بجدل واسع إثر كتابته مقالًا في إحدى الصحف السورية، قال فيه: "علينا أن نعترف، فورًا، أن الوحدة العربية الحقيقية الموجودة اليوم، صنعها الفن.. بينما فشلت السياسة والشعارات والأيديولوجيا فشلًا ذريعًا في توحيد الأمة".
مشهد من مسلسل 2024متداولة
هدف تسويقي
يقول الكاتب والناقد السوري سامر محمد إسماعيل، لـ"الخليج 365"، إن "الدراما التلفزيونية لها علاقة بالسوق الذي تتحكم به شركات الإعلان والفضائيات ومنصات العرض، وبالتالي لا يمكن الحديث عن مشروع ثقافي أو تنويري لأن الثقافة في مكان آخر".
ويدعّم إسماعيل رأيه بالقضايا التي تناولتها الدراما التلفزيونية العربية هذا الموسم، فهي لم تقدم ملامح ثقافية هامة، بل كان بعضها يمارس تشويهًا للمخيلة والفكر.
ويوافق الناقد المصري محمد عبد الرحمن، على ما قاله إسماعيل، إذ يؤكد أن الإنتاجات العربية المشتركة محكومة بهدف تسويقي.
ويضيف عبد الرحمن، في حديث لـ"الخليج 365"، أن "الهدف التسويقي يحكم تلك المسلسلات، وهي تطمح عبر ذلك، إلى تحقيق الانتشار في أكثر من دولة".
وعند العودة إلى المسلسلات العربية المسماة مشتركة، سنكتشف أن التشاركية تقتصر على مشاركة ممثلين من عدة بلدان عربية في العمل الواحد، مع الإبقاء على الجهة الإنتاجية الواحدة.
ويقول عبد الرحمن: "رغم مشاركة الممثلين نيقولا معوض وسوزان نجم الدين في "الحشاشين"، لكن المسلسل ليس إنتاجًا عربيًا، فالشركة المتحدة في مصر هي المنتجة، وبالتالي فإن مشاركة ممثلين من عدة بلدان في عمل واحد، لا يضفي صفة العمل المشترك عليه".
غير أنه لا ينفي الدور الإيجابي لاشتراك الممثلين العرب في مسلسل واحد، مؤكدًا أن "هذا يجعل الدراما العربية تتخطى الحدود، فلا تبقى أعمالها محصورة في النطاق المحلي".
نجوم مسلسل ع أملمتداولة
مشروع ثقافي
من جانبها، أشارت الباحثة السياسية المصرية، الدكتورة أمل صقر، إلى أن انتشار الدراما العربية المشتركة، حصل منذ أعوام طويلة بنسبٍ مختلفة، لكن ذلك لم يؤدِ إلى قيام أي مشروع ثقافي.
وأضافت صقر، في حديث لـ"الخليج 365"، أن "اشتراك ممثلين من جنسيات عربية متعددة في عمل مصري مثلًا، لا يمكنه توحيد العرب حول مشروع ثقافي، ولو كان الأمر كذلك، لتناولت الدراما قضية عربية، ولكتب السيناريو فريق من عدة بلدان عربية".
ولا يوافق الكاتب سامر محمد إسماعيل، على ربط مشاريع التنوير والثقافة بالدراما التلفزيونية، وفي هذا الصدد قال: "يمكن أن نتحدث عن مشروع ثقافي في المسرح والسينما والفن التشكيلي والأدب.. لكن في التلفزيون، هناك الترفيه والإلهاء العام، وهي وسائل تصدّر صورة مختلفة عن الواقع العربي، الواقع شيء، وما نشاهده على التلفزيونات ومنصات العرض شيء آخر".
وأضاف إسماعيل: "لا أحد يتحدث عن هواجس الإنسان العربي.. الإنسان العربي مشطوب عن الشاشات العربية، ويتم تجاهله بقصد أو غير قصد".
مشهد من مسلسل الحشاشينمتداولة
وكان الفنان السوري أيمن زيدان، قد كتب على صفحته الشخصية في "فيسبوك"، قبل أيام: "لا أدري كيف أصبحت الدراما التلفزيونية هي حاملة المشروع المعرفي! إن الأمم التي تزيح الأدب والرواية والمسرح من خارطتها الثقافية، أمم محكومة بالموت السريري".
وأكدت الدكتورة صقر أهمية دور النص في ولادة المشروع الثقافي عبر الدراما، وقالت: "الأساس هو النص المكتوب والموضوع المعالج، ومدى العمق في تناول القضايا المهمة، ووضع اليد على التحديات والمشكلات التي تواجه عالمنا العربي، وهذا أمر غائب في الدراما للأسف".
وتخالف صقر، الكاتب إسماعيل فيما ذهب إليه عندما قال إن الدراما التلفزيونية لا يمكنها القيام بمشروع ثقافي، موضحة أن "الدراما التلفزيونية يمكن أن تكون أداة مهمة في تحقيق المشروع الثقافي الجامع للعرب، لكن من الضروري وجود الرغبة والإرادة لولادة هذا المشروع، سواء على المستوى القطري أو العربي".
وأضافت أن "هناك غياب لأي عمل حقيقي ينهض بمشروع ثقافي، سواء في كل دولة عربية على حدة، أو على مستوى عابر لتلك الدول، هناك تراجع وتدني في الحالة الثقافية، وهناك غياب لأي تنسيق عربي".
ويبدو جليًا أن الدراما العربية، لازالت تضلُّ الطريق في اختيار المواضيع، وتبحث عن بوصلة كي تعرف الجهات!.