محمد الرخا - دبي - الأربعاء 3 أبريل 2024 11:18 صباحاً - على قمة جبل شاهق في محافظة إربد (120) كم جنوب العاصمة الأردنية عمّان، تقع مدينة أم قيس (جدارا) والتي تشرف بإطلالة بانورامية على بحيرة طبريا، وهضبة الجولان السورية، ونهر اليرموك، وجبل الشيخ الممتد من سوريا إلى لبنان والجليل في فلسطين، لتكون بهذا الموقع الإستراتيجي حلقة وصل رئيسة لحضارات تعاقبت على المدينة.
إن الزائر لجدارا تأخذه نقوش الأعمدة الرومانية واليونانية التي بقيت شاهدة على واحدة من أعرق مدن العالم، والتي تعرف بأنها مهد الفلاسفة والشعراء اليونانيين والرومانيين والعرب، ومن أهم الشعراء الذين كتبوا عن جدارا ابن المدينة الشاعر ميلياغروس المولود حوالي العام 140 ق.م. وقد قال من الشعر المدون عن نفسه: (وجوه صور الفاتنة، وأرض جدارا الطاهرة، جعلت منه رجلا، شواطئ كوس، وكرام الميروبيين، أكرموا شيخوخته).
كما طلب الشاعر ذاته أن يُكتب على شاهد قبره: (أيها العابر من هنا، لا تخف من مرورك بين أجداث الموتى، فهنا يرقد عجوز مسالم رقدته الأخيرة، إنه ميلياغروس ابن أوقراطس، الذي تغنى بالحب، وجعل الدموع السعيدة تهطل من المآقي).
كما يستقبلك شعر منقوش على أحد الشواهد الأثرية في المدينة للشاعر آرابيوس، يقول فيه: (أيها المارُ من هنا، كما أنت الآن، كنت أنا، وكما أنا الآن، ستكون أنت، فاستمتع بالحياة فإنك فانٍ).
وتعد جدارا واحدة من حلف المدن العشر المعروفة باسم حلف (الديكابوليس) في العهد الروماني وهو تحالف أنشأه الإمبراطور الروماني بومبي عام 64 ق.م، للوقوف ضد نفوذ العرب الأنباط في جنوب الأردن، وهذا التحالف كان يضم المدن الأردنية: عمان (فلادلفيا)، وجرش (جراسا)، والحصن (هيبوس)، وأم الجمال (كانثا)، وأم قيس (جدارا)، وطبقة فحل (بيلا)، وأيدون (دايون)، وحرتا (أبيلا)، ومدينتين سوريتين هما دمشق وبصرى.
ومن الحضارات التي تعاقبت على جدارا: اليونانية والرومانية، والعربية النبطية، ولما وصلها الفتح الإسلامي كان سكانها من العرب الغساسنة، وبقيت منذ ذلك الحين مدينة عربية، وقد سميت بأم قيس اشتقاقاً من الاسم التركي (مكوس) ويعني الضرائب، لتصبح مع الزمن أم كيس فأم قيس.
ويوجد في جدارا عشرات المواقع الأثرية التي تروي سيرة كل حضارة وصلت إليها، فمساحة الموقع الأثري فيها يمتد على رقعة (500) دونم، والذي يضم الآثار والشواهد والمباني والقصور والمسارح والكنائس اليونانية والرومانية والبزنطية، وكذلك الآثار ذات الطابع الإسلامي، ولعل من أبرز معالمها: سبيل الحوريات، والمسرحين الشمالي والغربي، وساحة الكنائس، والقرية العثمانية.
وفي العصر الحديث، يكن الأردنيون لجدارا الفضل العظيم في صياغة أول مشروع وطني لاستقلال البلاد عام 1920، حيث كانت الأردن تحت الانتداب البريطاني قبيل عام من مجيء الأمير عبد الله الذي أصبح فيما بعد ملكاً للبلاد، فقد اجتمع عدد كبير من زعماء وشيوخ ووجهاء المدن الأردنية وتبنوا مجموعة قرارات أرسل نسخة منها للمندوب السامي البريطاني الميجر سمرست، وتمثلت في 16 قراراً، أهمها تشكيل حكومة وطنية برئاسة أمير عربي هاشمي وإنشاء جيش وطني قادر على حماية البلاد، ومنع هجرة اليهود إلى فلسطين.