تاج محل.. وفاء الإمبراطور العاشق يذهل العالم

محمد الرخا - دبي - الثلاثاء 2 أبريل 2024 10:15 صباحاً - لا تنبع خصوصيته من كونه فقط تحفة معمارية تجمع بين الجمال والمهابة على نحو جعلها تستحق أن تكون إحدى عجائب الدنيا السبع عن جدارة، بل أيضًا لأن وراء تشييده قصة حب عظيمة ووفاء نادر يلهمان العشاق حول العالم على مر القرون.

Advertisements

إنه "تاج محل" الذي يعدّ أحد أبرز النصب التذكارية والمعالم الأثرية في الهند والذي بناه الإمبراطور المغولي "شاه جهان" تخليدًا لذكرى وفاة زوجته "ممتاز محل" في القرن السابع عشر ويضم طرزا معمارية متداخلة فيما بينها على نحو فريد هي الطرز المغولية والإسلامية والهندية والفارسية لكن الأهم أنه تحول إلى رمز أسطوري للغرام والوفاء.

ولد "شاه جهان" وهو لقب إمبراطوري يعني "ملك الدنيا" عام 1592 واسمه الأصلي "شهاب الدين محمد خورام" وقد جلس على عرش المغول في الهند في الفترة من 1628 إلى 1658. مرض بشدة في عام 1657 ما أدى إلى تفجر الصراع بين أبنائه الأربعة على خلافته، والذي حسمه في النهاية "أورنغزيب" فاعتلى العرش في العام التالي، وأخضع والده لما يشبه الإقامة الجبرية في أحد القلاع إلى أن توفي الأب في 1666.

تمت خطبة "شاه جهان" إلى أرجوماند بانو التي ستُعرف لاحقا بـ"ممتاز محل" وعمره لا يزيد عن 15 عامًا بينما كانت هي تصغره بعام واحد وهو أمر متعارف عليه آنذاك، لأن الزواج كان يتم مبكرا وفقا لآلية معقدة تستهدف الحفاظ على سلالات الملوك وعائلات النبلاء بصرف النظر عن المشاعر. وسُمح للأمير الصغير بالزواج من خطيبته وهو في عمر 20 عامًا بحسب اختيار المنجمين لكنه كان تزوج بأخرى في غضون ذلك.

ورغم أنّ "أرجوماند" أصبحت الزوجة الثانية، فإنها سرعان ما تحولت إلى الأولى في قلبه ودون منافسة، فقد هام الإمبراطور الشاب عشقا بها ومنحها بمجرد اعتلاء العرش لقب "ممتاز محل"، أي جوهرة القصر، وائتمنها على أسرار الدولة ومنحها ختمه الإمبراطوري لتوقع باسمه على المراسيم والقرارات بل والمعاهدات والاتفاقيات. والأغرب من ذلك أنه كان يصطحبها معه في حملاته العسكرية التي كان يقودها بنفسه من أجل توسيع حدود الإمبراطورية.

وفي إحدى تلك الحملات، تحديدًا عام 1631، كانت حاملا وأصيبت بنزيف حاد عقب ولادة ابنها رقم 14 ثم توفيت بعد فترة وجيزة ليصاب الزوج العاشق بصدمة عمره ويقضم الحزن قطعة من قلبه فيعتزل الناس ويغزو المشيب رأسه، لكنه قرر نقل جثمان الراحلة إلى "أغرا" التي تبعد عن العاصمة الهندية نيودلهي نحو 200 كلم وفي نفس الشهر بدأ بناء "تاج محل" كضريح فوق موقع دفنها. ويعتقد البعض أنّ سبب تسمية الضريح بهذا الاسم يعود إلى أنه اختصار لاسم "ممتاز محل"، بينما يرى البعض الآخر أن سكان "أغرا" هم من أطلقوا هذا الاسم على الإمبراطورة المتوفاة.

بُني هذا الصرح على مساحة ضخمة تبلغ 42 فدانا وشارك في تشييده 20 ألف عامل وحرفي تم استقدامهم من العالم الإسلامي وأوروبا ويضم 22 قبة وهي عدد السنوات التي استغرقها البناء. ويجتذب تاج محل ملايين السياح سنويا الذين لا يبهرهم الرخام الأبيض وانعكاساته تحت آشعة الشمس وضوء القمر الفضي بقدر ما تبهرهم لوعة العشق وزفرات الغرام التي تتضح في كل تفصيلة من تفاصيل المبنى الذي أعلنته "اليونسكو" في عام 1983 ضمن قائمتها للتراث العالمي.

ويضم الضريح الذي يشبه قصرًا منيفًا قبة مركزية يصل ارتفاعها إلى 73 مترا ومسجدًا بأربع مآذن شاهقة تتناثر في الجهات الأربع للضريح، فضلا عن حديقة غناء كما يضم قبرين رمزيين للإمبراطورة الجميلة والإمبراطور العاشق الذي رحل بعد عامين من الانتهاء من بناء تلك التحفة المعمارية.