محمد الرخا - دبي - الخميس 28 مارس 2024 02:27 مساءً - وجدت أكرا، عاصمة غانا، نفسها في دائرة الضوء غير المرغوب فيها، مسجلة الرقم القياسي لأسوأ نوعية هواء في العالم، متجاوزة مدنًا مثل نيودلهي وبكين، حيث ارتفع تركيز الجسيمات الدقيقة (PM2.5) فيها إلى مستويات غير مسبوقة، ما يشير إلى تجاه مثير للقلق من المرجح أن يتكرر في جميع أنحاء القارة الأفريقية.
وقالت صحيفة "لوموند" إنّ الهواء في المدن الأفريقية أصبح مزيجًا سامًا، محملاً بالملوثات الناجمة عن المركبات القديمة، وحركة المرور المزدحمة، وأكوام النفايات المحترقة، والطهي بالفحم.
وأضافت الصحيفة أنّ تلوث الهواء يعد مصدر قلق عالمي، حيث تلتزم عشر دول فقط في جميع أنحاء العالم بالمبادئ التوجيهية لمنظمة الصحة العالمية بشأن جودة الهواء اعتبارًا من العام الماضي 2023، موضحة أن الوضع خطير بشكل خاص في أفريقيا، حيث تستمر مستويات التلوث في التفاقم.
وفي عام 2023، صُنفت أفريقيا باعتبارها المنطقة الأكثر تلوثًا في العالم من حيث الجسيمات الدقيقة، إلى جانب جنوب آسيا وآسيا الوسطى.
ومن المثير للقلق أنّ 30 من أصل 54 دولة أفريقية تفتقر إلى تدابير كافية لرصد جودة الهواء أو تفشل في الكشف عنها.
وعزت الصحيفة الأسباب الجذرية لهذه الزيادة الهائلة في التلوث إلى النمو السكاني السريع والتوسع الحضري، ومنذ تسعينيات القرن العشرين، تضاعف عدد سكان المناطق الحضرية في أفريقيا كل عشرين عاما، الأمر الذي أدى إلى إغراق المدن غير المجهزة بموارد مالية محدودة.
وتجسد مدينة لاغوس، العاصمة الاقتصادية لنيجيريا وأكبر مدينة في منطقة جنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا، هذا النضال، ورغم افتتاح أول خط مترو، فإن لاغوس تعاني من عدم كفاية وسائل النقل العام لسكانها البالغ عددهم 15 مليون نسمة تقريبًا، حيث يقضي المسافرون ما متوسطه ساعتين إلى ثلاث ساعات يوميا في الاختناقات المرورية وأبخرة عوادم المركبات القديمة، ومعظمها من الواردات المستعملة.
وبحسب الصحيفة، يستمر حرق النفايات رغم الحظر النظري بسبب عدم كفاءة خدمات جمع النفايات، ما يؤدي إلى انبعاث أبخرة ضارة تهيج العيون والحنجرة، بالإضافة إلى ذلك، فإن مولدات الديزل، المنتشرة في المنازل والشركات للتعامل مع انقطاع التيار الكهربائي المتكرر، تسهم بشكل أكبر في تلوث الهواء، لافتة إلى أنه أقل من 10% من المنشآت الصناعية في لاغوس لديها أنظمة مناسبة للتحكم في الانبعاثات، وفقًا لتقرير صادر عن منظمة صندوق الهواء النظيف البريطانية غير الحكومية، حيث تسبب الهواء غير الصحي في وفاة 23,900 شخص مبكرًا في المدينة في عام 2019 وحده.
وتشير الأبحاث التي أجرتها كلية بوسطن إلى أنه في عام 2019، توفي 1.1 مليون أفريقي قبل الأوان بسبب تلوث الهواء، وهو ما يتجاوز إجمالي حصيلة التبغ والكحول وحوادث الطرق.
وختمت "لوموند" بالقول إنه إضافة إلى الخسارة المأساوية في الأرواح، يفرض هذا "القاتل الصامت" تكاليف اقتصادية كبيرة، بما في ذلك ارتفاع نفقات الرعاية الصحية وفقدان الإنتاجية، موضحة أنه ورغم هذه التحديات، تظل المدن الأفريقية محورية في التحول الاقتصادي للقارة، حيث من المتوقع أن تستضيف ثلثي السكان بحلول عام 2050.
وخلصت الصحيفة أنه لضمان صلاحية هذه المدن الأفريقية للعيش، يتطلب الأمر اتخاذ إجراءات عاجلة من تحسين وسائل النقل العام واعتماد تقنيات الطهي النظيفة إلى فرض معايير صارمة لانبعاثات المركبات، مؤكدة وجود سبل عديدة للتحسين، ومن أهمها تعزيز مراقبة جودة الهواء وتبادل البيانات لتمكين التدخلات الفعالة ضد هذا التهديد المنتشر، ولن تتمكن المدن الأفريقية من مكافحتها بفاعلية إلا من خلال فهم المشكلة بشكل شامل.