ما هو "الإسلام الأوروبي" المستخدم لمكافحة التطرف في القارة العجوز؟

محمد الرخا - دبي - الجمعة 22 ديسمبر 2023 04:04 مساءً - تاريخ النشر: 

22 ديسمبر 2023, 1:56 م

Advertisements

بدأت دول أوروبية منذ العام 2018، في طرح برامج تدريب للأئمة المسلمين بعدد من الجامعات الحكومية، بهدف محاربة التطرف في القارة العجوز.

ووفق دراسة نشرت حديثًا، فإن برامج تدريب الأئمة التي ترعاها الحكومات الأوروبية تسعى إلى معالجة مشكلة التطرف من جذورها، من خلال تدريب الأئمة على تعليم "الإسلام الأوروبي" والمقصود بـ"الإسلام الأوروبي" هنا هو التعايش السلمي وعدم رفض الآخر إلى جانب أركان الدين الإسلامي الثابتة.

وقالت دراسة الباحث جاسم محمد والتي نشرها مركز "تريندز" للبحوث والاستشارات، إن أغلب الأئمة الوافدين إلى أوروبا ينحدرون من دول مثل تركيا والمغرب والجزائر ومصر.

وأشار إلى أن غالبية دول أوروبا اعتمدت إجراءات متشددة في استقبال الأئمة من الخارج، بعد أن وجدت أن استقدامهم يمكن أن يساهم في التطرف، ويعود ذلك إلى الاختلاف في الثقافات والمفاهيم، ناهيك عن أن بعض الأئمة يمثلون سياسات ممنهجة إلى الدول "الأم".

وأردف: "كذلك البعض منهم لا يدرك جيدًا ظروف المجتمعات الأوروبية وسلوك الأفراد خاصة من الشباب، إلى جانب عدم إجادتهم لغة ذلك البلد".

فرنسا: مؤشرات على تطرف منفذ هجوم باريس

وبحسب الدراسة فإن غالبية المساجد والمراكز الدينية وتحصل على التمويل، بعضها من الحكومات الأوروبية وبعضها من دول غير أوروبية، وهذا ما يثير الكثير من الشكوك وعدم الفصل بين ممارسة العقائد الدينية وبين نشر الأيدولوجيات والأفكار التي تخدم الدول التي أرسلتهم.

ولفتت إلى أن أوروبا وجدت أن الكثير من الأئمة والمساجد والمراكز الدينية وقعت تحت تأثير الدول الممولة أو الدولة "الأم".

وأضافت: "هذا التأثير يعتبر أمرًا طبيعيًّا طالما أنها تقوم بتقديم التمويل والرعاية؛ لذا أن تتبنى دول أوروبا مشروعاتها برعاية هذه المراكز والمساجد الدينية، سيعمل كثيرًا على إيجاد مقاربات جيدة في قواعد محاربة التطرف والإرهاب وخاصة الخطاب المتطرف عبر المنابر وعبر منصات الإنترنت".

وتابعت: "الأهم في هذه البرامج هو المناهج والمراجع الدينية التي تعتمدها هذه الجامعات والمؤسسات الأوروبية، ويبدو في الغالب أنها جاءت من مصر، ومن المرجح أنها جاءت بتنسيق مع مشيخة الأزهر، وربما التنسيق مع بعض المراكز في دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية المعنية بمعالجة الخطاب المتطرف".

وسلطت الدراسة الضوء على 3 برامج لتدريب الأئمة وهي في ألمانيا وفرنسا وبلجيكا.

تصاعد معاداة السامية ورهاب الإسلام في لندن بعد حرب غزة

ألمانيا

بدأت الحكومة الألمانية منذ عام 2018 بتنفيذ برنامج لتدريب الأئمة المسلمين في البلاد، وتنظيم مؤسسة تعليمية بدعم من وزارة الداخلية الألمانية.

يشارك في جمعية التدريب الجديدة عدة منظمات إسلامية بينها المجلس المركزي للمسلمين في ألمانيا، وتقول وزارة ولاية ساكسونيا السفلى للعلوم والثقافة إن الخطة تتضمن "إنشاء جمعية مسجلة بالتعاون مع المنظمات الإسلامية ومجتمعات المساجد المهتمة بالبرنامج". وأكدت أن خبراء الدراسات الإسلامية سيكونون جزءًا من الجمعية الجديدة.

واقترحت الوزارة أن الطريقة يمكن أن "تطبق كنموذج" لتعليم الأئمة في أماكن أخرى. وأعدت الحكومة الألمانية مشروعًا يقترح ضرورة تعلم اللغة الألمانية إلى الأئمة القادمين من خارج ألمانيا قبل السماح لهم بدخول البلاد.

ووفق الدراسة، افتتحت ألمانيا بشكل رسمي يوم 15 يونيو 2021 برنامجًا حكوميًّا ألمانيًّا لإعداد الأئمة المسلمين. وباشر نحو 40 رجلًا وامرأة هذا الإعداد الذي يستمر لسنتين ويوفره معهد الإسلام في "أوسنابروك" Osnabrück في شمال غرب البلاد.

وكانت المحاضرات تلقى في المكتبة الواسعة التي تضم 12 ألف مؤلف تم شراؤها من مصر.

فرنسا

أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن خطوة استباقية مطلع شهر أكتوبر 2020 تتعلق بإنشاء "المعهد العلمي لعلوم الإسلام"، لتدريب أئمة وباحثين متخصصين في دراسة الإسلام والمعرفة الإسلامية الدينية.

ووفق الدراسة، قدم أعضاء مجلس الديانة الوثائق التأسيسية للمجلس الوطني للأئمة، ليكون مسؤولًا عن إصدار الاعتمادات لأئمة المساجد والخطباء في البلاد أو سحبها منهم، إلى الرئيس إيمانويل ماكرون خلال اجتماع جمعهم.

وطلب ماكرون تنفيذ "ميثاق للقيم الجمهورية" بحيث يتعين على المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية الالتزام به، تضمن الميثاق تأكيدًا على الاعتراف بقيم الجمهورية.

وحدد أن الإسلام في فرنسا هو "دين وليس حركة سياسية"، ونص على إنهاء التدخل أو الانتماء لدول أجنبية، واستنادًا لتقرير لمجلس الشيوخ الفرنسي، يوجد نحو 120 إمامًا مبتعثين من الجزائر و30 من المغرب.

وتقوم رئاسة الشؤون الدينية التركية (ديانات) بتوظيف 151 إمامًا تركيا في المساجد الفرنسية، وتدفع أجورهم مباشرة من تركيا، كما يتلقون تدريبًا وتعليمًا في مدارس دينية تركية.

بلجيكا

شهدت بلجيكا أيضًا مشروع التدريب المستمر في "العلوم الدينية ـ الإسلام" الذي نظمته الجامعة الكاثوليكية في "لوفان" بين عامي 2007 و2015.

جدل في ألمانيا بعد مؤتمر لمسؤول في طالبان بأحد مساجد كولونيا

وقال الباحث جاسم محمد إن "هناك ضرورة أن تكون المقاربة في برامج الأئمة تجمع بين السلوك في المجتمع وبين الشريعة الإسلامية، وتقديم التفسيرات الصحيحة، حتى لا يكون هناك "انزلاق" في المفاهيم أو أن تكون هناك اجتهادات خارجة عن الدين الإسلامي".

وفي هذا السياق أيضًا يمضي قائلا: "هناك حاجة لتدريس مواد الدين الإسلامي للتلاميذ في المدارس الأوروبية والمقصود هنا المسلمين، ليكون بديلًا من المدارس الخاصة "الإسلامية" التي كثيرًا ما تمثل "أيدولوجيات" الجماعات التي تمولها وفي الغالب تكون ذات مصالح سياسية أو شخصية".

ووفق الدراسة فإن متابعة هذا الحجم من المراكز والمساجد والجمعيات الدينية يعتبر أمرًا صعبًا على الحكومات الأوروبية، الأمر لا يتعلق فقط بالتمويل ولكن في إعداد الأئمة، وكذلك بالفهم الصحيح من قبل الحكومات إلى حقيقة الفصل بين المسلمين وبين الإسلام السياسي أو الجماعات الإسلاموية المتطرفة، ويبدو أن دول أوروبا أدركت هذه الحقيقة.