محمد الرخا - دبي - الجمعة 28 يونيو 2024 06:12 مساءً - أحدث قرار الرئيس إيمانويل ماكرون بحل البرلمان الفرنسي والدعوة إلى إجراء انتخابات تشريعية مبكرة، هزات في المشهد السياسي الفرنسي.
فبحسب تقرير نشرته صحيفة The New York Times، أثارت هذه الخطوة غير المسبوقة، والتي قادتها دائرة متماسكة من المستشارين، جدلاً حادًا وقلقًا بين المحللين السياسيين وعامة الناس على حدٍ سواء.
ومع اكتساب حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف قوةً وتأييدًا، أثارت خطوة ماكرون تساؤلات حول مستقبل السياسة الفرنسية.
دائرة متماسكة لصنع القرار
واتسم الإعلان عن الانتخابات المبكرة بالسرية والتفرد، فحتى رئيس الوزراء غابرييل أتال، وهو أحد المقربين الموثوقين والشخصية الرئيسة في إدارة ماكرون، كان من بين آخر من تم إبلاغهم بالأمر.
وتسلط عملية صنع القرار هذه الضوء على أسلوب ماكرون في الحكم من أعلى إلى أسفل، والذي يتميز بالاعتماد على مجموعة صغيرة من المستشارين.
وقد أدى هذا النهج المنعزل إلى تكهنات وانتقادات واسعة النطاق بشأن استعداد الرئيس لخوض مثل هذه المخاطرة الكبيرة.
وتلخص صورة نشرها المصور الرسمي لماكرون على إنستغرام رد فعل الحكومة.
وفي الصورة، يقف أتال بذراعين متقاطعين وتعلو وجهه تعابير فارغة، بينما يبدو وزير الداخلية جيرالد دارمانين غير مصدق، ويداه متشابكتان بذهول.
وتبرز هذه اللقطة الصدمة وعدم اليقين التي عمّت الحكومة بعد إعلان ماكرون.
تبرير ماكرون وتفاؤله
ورغم الجدل، بقي ماكرون ثابتا على قراره، واصفا نفسه بـ«المتفائل العنيد».
ويقول إن الانتخابات المبكرة مهمة لتوضيح المشهد السياسي والرد على صعود حزب التجمع الوطني بقيادة مارين لوبان.
فقد تعرض حزب ماكرون لهزيمة كبيرة في انتخابات البرلمان الأوروبي الأخيرة، وهو يعتقد أن الاستمرار دون معالجة هذا التحول سيكون بمثابة ضرر للديمقراطية.
وشدد ماكرون، في تصريح صحفي، على ضرورة توضيح المشهد السياسي الحالي من خلال تصويت وطني، مؤكدا أنه السبيل الوحيد لمعالجة المناخ السياسي.
ومع ذلك، يعتبر النقاد أنه لم يكن هناك التزام فوري بإجراء انتخابات، خاصة قبل أسابيع قليلة من دورة الألعاب الأولمبية في باريس.
وأعربت سيليا بيلين، وهي زميلة سياسية بارزة في مجلس العلاقات الأوروبية الخارجية، عن قلقها قائلة: لقد لعب لعبة الروليت مع فرنسا. إنه أمر لا يغتفر“.
تحول في نهج ماكرون
اتسمت رحلة ماكرون السياسية بالجرأة والطموح. فقبل سبع سنوات، أحدث تغييراً جذرياً في المشهد السياسي الفرنسي التقليدي عندما أصبح رئيساً وهو في التاسعة والثلاثين من عمره.
ولكن نهجه الحالي يبدو معزولاً على نحو متزايد ويعتمد على دائرة متقلصة من المستشارين المقربين.
وقد أدى هذا إلى ظهور تصورات عن الغطرسة والانفصال عن هموم المواطنين الفرنسيين العاديين.
ووصفت وزيرة الصحة السابقة ماريسول تورين نهج ماكرون بإيجاز، قائلة: "أنا أقبلك، أنا أتركك": هذا ماكرون، وهذا ما فعله مع أتال. إنه يستهلك الناس“، في إشارة إلى سرعته في اتخاذ القرارات وتخليه عن الأشخاص.
ويعكس هذا الشعور الإحباط والحيرة اللتين يشعر بهما الكثيرون داخل إدارته والجمهور الأوسع.
ازدياد المشاعر اليمينية المتطرفة
وقد نجح حزب التجمع الوطني، المعروف بموقفه المناهض للمهاجرين، في استغلال المخاوف والاستياء السائد على نطاق واسع، واضعا نفسه كقوة هائلة في السياسة الفرنسية.
ويواجه ماكرون، على الرغم من نجاحاته الانتخابية، تحديا كبيرا في مواجهة النفوذ المتنامي لليمين المتطرف.
وفي حين يعتقد ماكرون أن نهجه العملي القائم على يمين الوسط سوف يكون له الغلبة في نهاية المطاف، فإن أحدث استطلاعات الرأي تشير إلى واقع مختلف.
فقد كشف استطلاع لمؤسسة Ifop-Fiducial أن حزب ماكرون وحلفائه حصلوا على 21% فقط من الأصوات، متخلفين عن حزب التجمع الوطني بنسبة 36% والجبهة الشعبية الجديدة، وهي ائتلاف من الأحزاب اليسارية، بنسبة 28.5%.
ويشير هذا إلى تحول محتمل في المشهد السياسي، حيث من المرجح أن يظهر حزب التجمع الوطني كأكبر حزب في الجمعية الوطنية الجديدة.
مستقبل سياسي مستقطب
وتمثل الانتخابات المقبلة منعطفا حاسما بالنسبة لفرنسا، فإذا نجح حزب التجمع الوطني في تأمين الأغلبية المطلقة، قد يضطر ماكرون إلى تعيين جوردان بارديلا، تلميذ لوبان، رئيسا للوزراء.
وهذا من شأنه أن يؤدي إلى تعايش غير مسبوق بين زعيمين لديهما أيديولوجيات متعارضة بشكل أساسي.
وحتى لو فشل التجمع الوطني في تحقيق الأغلبية، فسيواجه ماكرون برلمانا منقسما بشدة، مما قد يؤدي إلى عدم استقرار سياسي طويل الأمد.
وعلى الرغم من حالة عدم اليقين، يبقى ماكرون حازماً. فقد أعلن مؤخراً: "ليس لدي روح انهزامية" ومع ذلك، فإن قرار الدعوة إلى انتخابات مبكرة ترك الكثير من الناس يتساءلون عن دوافع الرئيس والعواقب المحتملة على البلاد.
وانتقدت آن هيدالغو، عمدة باريس الاشتراكية، ماكرون لتعطيله الألعاب الأولمبية، متسائلة: "لماذا نفسد هذه اللحظة الجميلة بإجراء انتخابات دون استشارة أحد؟“.
وبينما تتجه فرنسا نحو هذه الانتخابات المحورية، تبقى على حافة الهاوية، وتتصارع مع تداعيات خطوة ماكرون الجريئة والمثيرة للجدل.
والسؤال الذي يدور في أذهان الجميع هو ما إذا كانت هذه المقامرة ستؤتي ثمارها أم أنها ستدفع فرنسا إلى المزيد من الاضطرابات السياسية.