محمد الرخا - دبي - الثلاثاء 25 يونيو 2024 12:03 مساءً - أحمد عبد
تُعد مدينة أربيل من أكبر أحلام الأكراد في المنطقة لجعلها عاصمة "كردستان" الكبرى كما يحب الأكراد وصفها، لكن المعطيات على الأرض تشير إلى هجرة عكسية تحدث اليوم، مع افتقادها للمياه التي تعد من أهم مقومات الحياة الرئيسة للبقاء.
وتعاني المدينة التي تعد مركز حكومة إقليم كردستان من أزمة مياه خانقة، وصفها مختصون بأنها الأسوأ على الإطلاق، مع شح مياه نهر "الزاب الكبير" من جانب، وجفاف الآبار التي تعتمد عليها المدينة من جانب آخر.
وتعتمد أربيل بشكل رئيس على مياه نهر "الزاب الكبير" الذي فقد مناسيبه المائية بسبب السياسات المائية لدولتي المنبع، تركيا وإيران؛ إذ قللت الأولى منهما مناسيب المياه عبر بناء السدود والبحيرات الصناعية، والثانية من خلال تغيير مجرى الأنهر نحو الداخل الإيراني دون السماح بعبور المياه نحو العراق.
يقول عضو برلمان كردستان السابق علي حمه صالح، لـ "الخليج الان"، أن "حياة سكان أربيل باتت مهددة بسبب نقص المياه الذي أصبح من أكبر مشكلات المدينة التي لم تتمكن الحكومة من معالجتها، حيث باتت المدينة تعتمد على المياه الجوفية "الآبار" لرفد المواطنين، وهذه المياه لا يمكن أن تكون صالحة كما هي المياه السطحية للأنهر".
وتوقع صالح أن "تكون الحياة صعبة جداً في أربيل خلال السنوات القليلة المقبلة؛ بسبب شح المياه"، مشيراً إلى أن "الاعتماد على المياه الجوفية لا يمكن أن يكون حلاً لهذه المشكلة".
يغطي نهر "الزاب الكبير" 35% من الموارد المائية لمدينة أربيل، لكنه اليوم لم يعد يغطي سوى 22% من حاجة المدينة، بحسب تقارير دوائر الموارد المائية في الإقليم، وهذا الانخفاض الكبير في الموارد أثر بشكل واضح على كميات المياه المجهزة للمناطق السكنية، التي باتت تعاني غالبيتها من انقطاع المياه عنها يومين أو أكثر في الأسبوع.
انقطاع المياه عن المنازل في أربيل دفع آلاف العوائل إلى الاعتماد على أنفسهم عبر شراء المياه من الصهاريج التي تأتي بالمياه الصالح للشرب من خارج المدينة، ومن المناطق القريبة من مدينة الموصل تحديداً.
وتشكل عملية شراء المياه عبئا كبيرا على أهالي مدينة أربيل في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة التي يعيشها إقليم كردستان؛ بسبب عدم توفر رواتب الموظفين نتيجة الخلافات بين حكومتي أربيل وبغداد القائمة على النفط وصادراته.
أصحاب شركات العقارات في أربيل، أكدوا لـ"الخليج الان"، أن بعض سكان مدينة أربيل بدأوا بالهجرة من المدينة نحو مدينتي السليمانية ودهوك التابعتين للإقليم أيضاً؛ بسبب تراكم المشاكل في المدينة، سواء شح المياه أو الاقتصادية.
يقول، هلكرت جميل، صاحب شركة عقار، إن "أسعار العقارات في مناطق عديدة في أربيل انخفضت على نحو ملحوظ، مع عدم توفر أهم مقومات العيش وهي المياه، وارتفعت العروض للبيع، رغبة بهجرة المدينة هرباً نحو مدن أخرى".
الناشط المدني الكردي، بنكين سوراني، يرى أن هناك مفارقات مضحكة في أربيل، ففي الوقت الذي نشهد فيه دعوات للشركات النفطية للاستخراجات النفطية، تعاني المدينة من شح المياه، "فهل سنشرب النفط لاحقاً"، يقول سوراني متسائلاً.
"الخليج الان"، تحدثت إلى عدد من مواطني مدينة أربيل، الذين أشاروا إلى معاناتهم في قضاء ساعات طويلة من كل ليلة بانتظار أن يملأوا خزاناتهم بالمياه، وأنهم باتوا يفكرون بمغادرة المدينة.
وقال، دلشاد دوسكي، من سكان منطقة زيان، جنوب أربيل، إن "ما يحدث في أربيل كارثة حقيقية وموت بطيء للمدينة ولساكنيها، حيث لم نعد نعرف من أين نحصل على المياه، فحتى الآبار التي كنا نعتمد عليها في المناطق لملء خزانات المياه جفت، وبتنا نحفر أكثر من 100 متر على أمل كسر السن الصخري في باطن الأرض للعثور على المياه".
وأضاف، أن "جولة ليلية صغيرة في أزقة أربيل، ستجعلك تدرك مدى معاناتنا، حين تشاهد غالبية الآباء والأمهات جالسين عند أبواب المنازل لساعات على أمل أن يجدوا المياه في أنابيب المياه الرئيسة لملء خزانات المنازل".
آري أحمد، مسؤول حكومي في مديرية ماء ومجاري كردستان، أكد تراجع منسوب المياه الجوفية في أربيل، عازياً ذلك إلى قلة الأمطار، وعدم وجود خطة ترشيد للمياه من قبل المواطنين.
وقال لـ "الخليج الان"، إن "فصل الصيف يؤثر بشكل أو بآخر على كميات المياه المجهزة للمواطنين في بعض المناطق؛ إذ تعاني المناطق المرتفعة عن سطح الأرض خصوصاً من قلة المياه، لكن هذه الأزمة ليست بجديدة، ونحن نحاول في كل مرة إيجاد حلول ناجحة لتلافي الأزمة".
رئيس الحكومة المحلية في أربيل، أوميد خوشناو، كشف عن اعتماد المدينة بنسبة 65% على المياه الجوفية كمورد رئيس للمياه.
وقال في بيان، إن "مناطق أربيل كافة تواجه مشكلة في نقص المياه بسبب الجفاف"، مشيراً إلى أن "أربيل تحتاج إلى تحديد ميزانية خاصة من قبل اللجنة الحكومية العليا لمواجهة الجفاف في الإقليم، لتحجيم الأضرار الناجمة عن هذا الجفاف.
المحلل السياسي الكردي، قوباد علي، قال لـ "الخليج الان"، إن "المدينة تعتمد على نحو رئيس على مياه نهر الزاب، الذي ينبع بالقرب من بحيرة وان في تركيا ويجري في محافظتين تركيتين قبل أن يدخل حدود إقليم كردستان، وتعي تركيا جيداً مدى أهمية هذا النهر لمدينة أربيل وقصباتها".
ويبدو أن المختصين بالشأن البيئي في كردستان كانوا أكثر تشاؤماً من مسؤوليها الحكوميين، حيث يقول أستاذ البيئة، إياد برواري، لـ "الخليج الان"، إن "أربيل لا يمكنها أن تقاوم خلال السنوات القليلة الماضية، حيث بدأت باستنزاف مخزونها من المياه الجوفية، مع التغيير المناخي الذي أثر على العراق بشكل خاص في المنطقة، وارتفاع درجات الحرارة التي تزيد أصلا من نسبة تبخر المياه".
وتوقع، برواري، أن تكون أربيل "غير صالحة للعيش خلال العشرين عاما المقبلة، إذا استمر التغير المناخي والسياسات التركية تجاه الإقليم كما هو عليه اليوم".