محمد الرخا - دبي - الجمعة 14 يونيو 2024 11:50 مساءً - حدد علماء من جامعة ييل الأمريكية مناطق محددة في الدماغ قد تساهم بشكل سببي في الشعور بجنون الارتياب، وهي حالة نفسية تتميز بالشك والارتياب المفرطين، إذ يعتقد الشخص المصاب أن الآخرين يتآمرون عليه أو ينوون إلحاق الأذى به دون وجود أدلة واقعية تدعم هذه الأفكار.
وتُعد أبحاث الفريق، التي نشرها موقع "ميديكال اكسبريس"، قفزة كبيرة في فهم الآليات العصبية الكامنة وراء جنون الارتياب من خلال مواءمة البيانات من الدراسات البشرية والقردة.
الكشف عن الأسس العصبية لجنون الارتياب
يعد الإدراك المتقدم، أي القدرة على تكييف المعتقدات المتعلقة بأفعال الفرد وعواقبها في بيئة متغيرة باستمرار، أمرًا بالغ الأهمية لوظيفة الإنسان، إذ يمكن أن يؤدي الخلل في هذه القدرة إلى الإصابة بجنون الارتياب.
ويهدف فريق البحث، بقيادة ستيف تشانغ، الأستاذ المشارك في علم النفس وعلم الأعصاب، وفيليب كورليت، الأستاذ المشارك في الطب النفسي، إلى الكشف عن كيفية مساهمة مناطق معينة في الدماغ في هذا الاعتقاد غير التكيفي.
المنهجية: الإطار عبر الأنواع
وحللت الأبحاث، البيانات الموجودة من الدراسات السابقة التي شملت البشر والقردة، حيث قام المشاركون بأداء مهمة مصممة لقياس مدى إدراكهم للتقلبات البيئية.
وكان عليهم الاختيار بين ثلاث خيارات على الشاشة، يرتبط كل منها باحتمالات مختلفة للحصول على مكافأة، وقد تعلم المشاركون هذه الاحتمالات من خلال التجربة والخطأ، وبدون سابق إنذار، ستتغير الاحتمالات، مما يتطلب من المشاركين تكييف خياراتهم لتحقيق أقصى قدر من المكافآت.
وسمحت هذه المهمة للباحثين بملاحظة كيفية تكيف المشاركين مع التغيرات الملحوظة في بيئتهم، حيث طبقوا نفس التحليل الحسابي على مجموعات البيانات البشرية والقردة، باستخدام نموذج لشرح السلوك الملحوظ في كلا النوعين، وكان هذا النموذج بمثابة "لغة مشتركة"، مما يتيح إجراء مقارنة مباشرة للبيانات.
النتائج الرئيسية: آفات الدماغ والسلوك بجنون الارتياب
في القرود، كانت هناك آفات دماغية محددة، وهي تلفيات تحدث في الأنسجة نتيجة لمرض أو إصابة جسدية، موجودة إما في القشرة الجبهية الحجاجية أو في المهاد الظهري المتوسط.
وتُعرف القشرة الجبهية الحجاجية بدورها في عملية صنع القرار المتعلقة بالمكافأة، بينما يشارك المهاد الوسطي الظهري في إرسال المعلومات البيئية إلى مراكز صنع القرار في الدماغ. وقد تم تصنيف المشاركين من البشر بناءً على مستويات جنون الارتياب المبلغ عنها.
ووجد الباحثون أن الآفات في منطقتي الدماغ أثرت سلباً على سلوك القرود، ولكن بطرق مختلفة، فقد أظهرت القرود التي تعاني من آفات القشرة الأمامية الحجاجية ميلًا إلى الاستمرار في نفس الخيار على الرغم من عدم حصولها على مكافأة.
وعلى العكس من ذلك، أظهر القرود التي تعاني من آفات المهاد الوسطي الظهري سلوكًا غير منتظم، حتى بعد تلقي المكافآت، مما يشير إلى تصور أن بيئتهم شديدة التقلب، ويعكس هذا السلوك سلوك المشاركين من البشر الذين يعانون من جنون الارتياب الشديد.
التداعيات والتوجهات المستقبلية
توفر هذه النتائج رؤى جديدة حول الأساس العصبي لجنون الارتياب، ولا سيما تسليط الضوء على دور المهاد الوسطي الظهري، ومن خلال فهم كيفية تأثير هذه المنطقة الدماغية على تصورات التقلبات البيئية، يمكن للباحثين فهم العمليات المعرفية الكامنة وراء جنون الارتياب بشكل أفضل.
ويقدم نهج الدراسة عبر الأنواع إطارًا قيمًا لترجمة النتائج من النماذج الحيوانية الأبسط إلى الإدراك البشري، وقال كورليت إن "ذلك يسمح لنا أن نتساءل كيف يمكننا ترجمة ما نتعلمه في الأنواع الأبسط - مثل الجرذان والفئران وربما حتى اللافقاريات - لفهم الإدراك البشري".
بالإضافة إلى ذلك، يمكن لهذه المنهجية أن تمهد الطريق لتقييم كيفية عمل العلاجات الصيدلانية لجنون الارتياب والحالات المعرفية الأخرى على المستوى العصبي.
وأضاف تشانغ قائلا: "وربما يمكننا استخدامه في المستقبل لإيجاد طرق جديدة لتقليل جنون الارتياب لدى البشر".
ويمثل هذا البحث خطوة مهمة نحو فك رموز تعقيدات الإدراك البشري ويقدم مسارات واعدة للدراسات المستقبلية التي تهدف إلى تخفيف جنون الارتياب وتحسين الصحة العقلية.