الارشيف / عرب وعالم

لماذا يعتبر "الفصل الثاني" الفيلم الافتتاحي المثالي لمهرجان كان؟

محمد الرخا - دبي - الأربعاء 15 مايو 2024 12:03 مساءً - افتتح فيلم "الفصل الثاني" للمخرج كوينتن دوبيو فعاليات مهرجان كان السينمائي بدورته السابعة والسبعين، وفي أحد مشاهده الأولى نسمع من الممثلة "ليا سيدو" عبارة "لهذا السبب تعتبر السينما رائعة: إنها عديمة الفائدة!" والتي تُشكِّل محور الفيلم الذي تدور أحداثه في كواليس جلسة تصوير حيث تختلط الحياة وإعادة صياغتها ببهجة من خلال الخيال.

إن أكبر احتفالية سينمائية دولية تجعل هذه العبارة الساخرة مسموعة بوضوح، وهو أمر ممتع للغاية، لاسيما أن العالم ينبض على إيقاع الأفلام خلال مهرجان كان، بعدما تعززت مكانته كلاعب أساسي عندما يتعلق الأمر بعرض القوة الرمزية للسينما، وخاصةً تلك التي تحاول أن تخدم هدفاً ما ضد كل ما يقف في وجهها، لكن تم تقويض تلك القوة بسبب عنف العالم، فلماذا القلق بشأن الجمال عندما تكون هناك حروب؟

لكن في الوقت ذاته فإن مفاهيم الثقافة الضيقة التي تفصل بين فن نخبوي وآخر شعبي بدأت تنهار من تلقاء نفسها في هذا المهرجان المتناقض بشكل مميز، وخير مثال على ذلك فيلم "تشريح السقوط" لجوستين تريت الذي جمع الملايين حوله في جميع أنحاء الكوكب، ونال السعفة الذهبية في العام الماضي.

من هذا المنطلق، فإن فيلم "الفصل الثاني" لكوينتين دوبيو أثبت أنه خيار ممتاز لإثارة الشهية، ويرجع الفضل في ذلك أولاً لميل صانعه إلى استيعاب موضوعات اللحظة بأسلوبه الفريد، بالإضافة إلى الكوميديا المتفجرة فيه، والمتمحورة حول عدم جدوى السينما.

يكشف هذا الفيلم عدة تقلبات صغيرة، أهمها الذكاء الاصطناعي، وتأثيره المستقبلي على الصور وصناعة الأفلام حتى في هوليوود، ومن هنا تنطلق عملية السخرية من السينما بحد ذاتها؛ إذ إن عملية التصوير التي تتم في الكواليس تعود في الواقع إلى صورة رمزية لمخرج وهمي تمامًا. هذا "الذكاء الاصطناعي" الخالص، بأساليب غريبة جذريًا عن أي حساسية فنية، يعطي تعليماته عبر جهاز كمبيوتر محمول، في مشاهد مضحكة، إنه يجسد رؤية كوينتين دوبيو، فنان الحرفة السينمائية اليدوية.

وكما هو الحال في كثير من الأحيان، فإن ما هو مصطنع سوف تتغلب عليه في نهاية المطاف نسخة من الواقع، بما في ذلك أعنف التأثيرات التي سوف تستعيد مرجعياتها الواقعية، لكن بين الاصطناع والواقع تكمن المفارقة وأسباب الكوميديا التي يحققها دوبيو، بحيث يمكننا أن ننظر إلى "الفصل الثاني" باعتباره إعادة قراءة خيالية وقاسية لنوع أدبي خارج الموضة: الدراما المصنوعة في فرنسا، مع لمحات من السبعينيات والثمانينيات.

يسلط دوبيو الضوء على قوة السينما بقدر ما يسلط الضوء على هشاشتها، ويمكن للمرء أن يقول ضعفها الجميل، الذي يناضل من أجله. إذا كانت السينما "لا تنفع لشيء" كما جاء في افتتاحية الفيلم، فإن طريقة معالجة هذه الفكرة سينمائياً تحقق عكس الفكرة على وجه الخصوص، ونأمل أن تُظهر اختيارات مهرجان كان الرغبة نفسها في معالجة القضايا المعاصرة للسينما، هذا الحلم القديم الذي يستمر.

وتعدّ اختيارات دوبيو موفقة جداً؛ إذ جمع في فريق فيلمه ليا سيدو التي يصطدم كل من فنسنت ليندون ورافائيل كوينارد بها بلطف، وذلك تحت أنظار لويس جاريل الذي يعتبر مثاليًا بالتأكيد عندما يتعلق الأمر بالمزج بين الكوميديا والغرابة، والخيط الرفيع الذي يجمعهما.

Advertisements