الارشيف / عرب وعالم

في ذكرى رحيلها.. كيف أصبح الانتحار لغزا في حياة داليدا؟

محمد الرخا - دبي - الجمعة 3 مايو 2024 10:06 صباحاً - "سامحوني، الحياة لم تعد تُحتمل". رسالة مقتضبة حد الإيجاز، قاسية حد الوجع، رقيقة بما يليق بشخص حساس حريص على مشاعر الآخرين حتى وهو يتناول جرعة زائدة من الأقراص المهدئة ليكتب فصل النهاية في رحلة المجد والتعاسة ويضع السطر الأخير في كتاب وردي اللون حمل غلافه عنوان: قليل من الفرح، كثير من الدموع.

داليدا ابنة حي "شبرا" القاهري التي تحلّ اليوم 3 مايو ذكرى رحيلها في 1987، هي أكثر من ينطبق عليه مقولة "احذر فقد تحقق أحلامك"، حلمت بالشهرة وداعب مخيلتها بريق الأضواء فجاءتها العالمية على طبق من ذهب لتنحني أمام موهبتها وحضورها وجمالها غير المعتاد. انتقلت إلى باريس وأصبحت واحدة من أشهر مطربات العالم في النصف الثاني من القرن العشرين، لكن سكين التعاسة سرعان ما استحل دمها وأطبق عليها وحش الاكتئاب الحاد وافترسها الانتحار في النهاية، كما سبق وافترس أبرز من مرّوا بحياتها من الرجال.

كانت "شبرا" في ثلاثينيات القرن الماضي نموذجًا للحي "الكوزموبوليتاني" الذي يضمّ أطيافا واسعة من جنسيات وأعراق مختلفة، لا سيّما اليونانيين والإيطاليين والأرمن واليهود الذين يتمتعون بكافة الحقوق في مناخ من التسامح. ومن بين هؤلاء شاب إيطالي مهاجر إلى مصر يعمل عازف كمان في أوركسترا دار الأوبرا المصرية أمّا زوجته فكانت شابة إيطالية بسيطة تعمل "خيّاطة" من أجل المساعدة في تكاليف الحياة.

ولدت ابنتهما "يولاندا كريستينا جيليوتي" عام 1933. جرّبت حظها في التمثيل وظهرت في أدوار صغيرة في بعض الأفلام المصرية مثل "الكاس والسيجارة" لسامية جمال مستغلة جمالها الموثق رسميًا بلقب "ملكة جمال مصر" الذي حازته وهي في سن مبكرة. كان اللقب مفارقة كبرى فقد عاشت طفولتها تشعر بالخجل وتسعى أن تكون منطوية بسبب "حول" بارز أصاب عينيها. ارتبطت بعلاقة حب بفتى إيطالي وهي مراهقة اسمه "أرماندو" وقيل إنه أنهى ارتباطهما احتجاجًا على ظهورها على غلاف إحدى المجلات وهي بملابس البحر. لم تحزن كثيرًا لكنها أدركت أنها بحاجة إلى شيء أكبر، إلى الذهاب إلى آخر الدنيا والانطلاق بقوة.

اختارت لنفسها اسم "دليلة" لإعجابها بالفنانة هايدي لامار بطلة فيلم "شمشون ودليلة"، ثم غيّرته بعد ذلك إلى "داليدا " لتدمج بين "دليلة" و"يولاندا". في مسرح "أوليمبيا" العريق في باريس تعرّفت على منتج تحمّس لها وأنتج لها إسطوانة غنائية وضعتها في دائرة المجد وهي تلك التي تتضمن أغنية "بامبينو" والتي تصدرت قائمة أفضل 10 أغان لعدة أسابيع. قدّمت على مدار حياتها نحو ألف أغنية بلغات شتى مثل الفرنسية والإنجليزية والعربية والألمانية بل واليابانية.

كانت خيبات الأمل تقف لها بالمرصاد مع كل خفقة قلب أو شهقة غرام، فزواجها الأول من المذيع "لوسيان موريس" لم يصمد عدة أشهر. أراد أن يعود إليها مرة أخرى وحين فشلت مساعيه، حاول الانتحار بإطلاق الرصاص على نفسه، ثم عاد وفعلها بعد فشل زواجه الثاني.

ارتبطت بقصة حب عنيفة مع الرسام "جان سوبيسكي" الذي تركها بعد عامين ثم انتحر عام 1961 بسبب تراكم الديون عليه. ومرة أخرى كان الانتحار هو نفس مصير حبيبها الجديد، المطرب الإيطالي الشاب، لويجي تنكو، الذي انتحر عام 1967 لفشله في الحصول على إحدى الجوائز الغنائية وكانت هي من اكتشفت جثته المغطاة بالدماء في غرفة الفندق. حاولت اللحاق به من خلال تناول جرعة زائدة من الأقراص المهدئة لكن تم إنقاذها. بعد ذلك وقعت في غرام شاب إيطالي آخر يصغرها بنحو 12 عاما يُدعى "لوسيو" وحملت منه ثم خضعت لعملية إجهاض لعدم اقتناعها بالتكافؤ بينهما وأصيبت بالعقم مدى الحياة أثر سلبًا على حالتها النفسية.

أتاح لها المخرج المصري يوسف شاهين فرصة بطولتها السينمائية الوحيدة في فيلم "اليوم السادس" عام 1986 لكنه لم يحقق النجاح المنشود وقيل إنّ السبب يعود إلى نطقها اللهجة المصرية بلكنة أجنبية أفقدت الشخصية مصداقيتها مما زاد من شعورها بالاكتئاب الحاد، الذي سبق رحيلها في العام التالي.

Advertisements