الارشيف / عرب وعالم

بول أوستر.. التشويق الكامن وراء القصة البوليسية وشاعرية السرد

محمد الرخا - دبي - الأربعاء 1 مايو 2024 11:21 صباحاً - لا شكَّ أنّ إعلان وفاة الكاتب الأمريكي الأشهر بول أوستر منذ ساعات قليلة عن 77 عامًا سيكون له موجات ارتدادية من الصدمة والحزن داخل أوساط القراء العرب بشكل خاص.

فقد حقق "أوستر" شعبية جارفة من المحيط إلى الخليج وكانت ترجمة رواياته تصدر في الشهر ذاته، إن لم يكن اليوم ذاته، وفق اتفاق مسبق، الذي تصدر فيه النسخة الأصلية بالإنجليزية، فما سبب تلك الجاذبية العالمية التي حظيت بها مؤلفاته؟.

اعتمد الأديب الراحل في أعماله على معادلة خاصة منحته تميزًا وفرادة عنوانها العريض التشويق الكامن وراء القصة البوليسية وشاعرية السرد النابعة من كونه شاعرًا أيضًا له 8 دواوين منشورة، وجموح المخيلة الذي يجعله يذهب إلى مناطق في الحبكة والدراما لا تخطر ببال، فضلًا عن اللغة البصرية الممتعة التي تعود إلى ممارسته كتابة السيناريو في مراحل سابقة من حياته. البساطة كانت أيضًا حاضرة بقوة فهو ليس من الكتاب النخبويين الذين يقبعون في برج عاجي ويمارسون استعلاءً على القارئ عبر غموض الفكرة وصعوبة اللغة.

يتجلى كل ذلك في أعماله العديدة التي يمكن وصف الكثير منها بـ"الصاعقة الجمال" و"الفاتنة بشكل لا يصدق" مثل: "ثلاثية نيويورك"، و"غير مرئي"، و"تمبكتو"، و"كتاب الأوهام"، و"حماقات بروكلين"، و"قصر القمر"، و"رجل في الظلام "، التي يبدؤها بعبارة "وحدي في الظلام، أقلِّب العالمَ في رأسي، فيما أنا أصارعُ نوبةً أخرى من الأرق، وليلةً بيضاءَ أخرى في العراء الأمريكيّ العظيم".

لكنه في المقابل لم يكن يستهدف مجرد الانتشار الواسع أو أن يصبح أيقونة العصر لدى الأجيال الجديدة من القراء حول العالم من خلال نصوص جذابة ومشوقة وكفى، بل طرح العديد من الهموم والقضايا ذات الطابع الفلسفي وبشكل نابع من بناء العمل وليس مقحمًا عليه مثل ماهية الوجود ومصير الإنسان والجانب المظلم في النفس البشرية، كما كان مولعًا في سنواته الأخيرة بهاجس الموت ومرارة الفقد التي تلاحق أبطال رواياته.

سئِل ذات يوم عن رسالته من وراء كتاباته، فقال إنه "فقط أراد أن يقول على مدار السنوات: إن أي شيء يمكن أن يحدث لأي شخص في أي مكان وفي أي وقت وبمجرد أن نعي ذلك، سنكون مستعدين بصورة أفضل كي نواجه التنوع والأمور غير المتوقعة". وأضاف: "هناك شيء ما في الروح البشرية يسعى إلى الاستقرار واليقين، لذا فإن أغلب الناس يضلون الطريق حين يحدث شيء غير متوقع أو غير معتاد. لكن إذا ما تصرفنا بذكاء وفعلنا ما ينبغي القيام به، يمكننا أن نتجاوز ذلك".

ويشرح فلسفته في الكتابة، قائلًا: "هل على حدث ما أن يكون حقيقيًّا كي يُقبَل كحقيقة، أم أنّ الإيمان بحقيقته هو الذي يجعله حقيقيًّا، حتى لو أنه لم يحدث في الواقع؟ إذا تبيّن أن القصة مذهلة وصاعقة لدرجة أنّ فمنا انفتح دهشة، وشعرنا أنها غيّرت فهمنا للعالم، أو حسّنته، أو عمّقته، فهل يهمّ ما إذا كانت حقيقية أم لا؟".

توفي بول أوستر متأثرًا بإصابته بمرض السرطان. ويبدو أن زوجته تأثرت بأسلوبه الأدبي حين أعلنت في وقت سابق عن مرضه بتحفظ شديد، قائلة: "العيش مع شخص مصاب بالسرطان، يُعرّض لرشقات من العلاج الكيميائي والعلاج المناعي، مغامرة في الحميمية والتباعد، ليس من السهل على الدوام السير على هذا الحبل المشدود".

Advertisements